في الليبرالية التقليدية لا يمكن الفصل بين الحرية والملكيّة، فالإنسان حرٌّ بما هو مالك، والملكيّة طبيعيةٌ تبدأ من تحكّمٍ غير متدخَّل فيه يطال الجسد أولاً، الجسد حقلُ تصرّف شخصي، والأنا المفرَد بما هو كذلك يساهم بملكيته في خلق مجتمع حرّ، فالمجتمع الحر هو مجموع أفراد مالكين، وتعزّز حرية المجتمع منظومة أخلاقيّة عمادها التواضع بين الأفراد المالكين على احترام حقول الملكية الفردية المتجاورة في حيوزٍ صغيرة لمنح الفضاء العام المسمى دولةً إمكانية الإشراف والمتابعة، دون التدخل، لضمان الحرية. نعم، إن الليبرالية هي ضمان للحرية، ولكن حريةُ من هي؟ إنها حريّة المالك. لأن من لا يملك، وفقاً لذلك، ليس إنساناً. إنه لم يحقّق بعد شرط وجوده: التملّك.
من حيث المبدأ.. جعل هذا التسويغ من الملكية شرطَ تحقّق للحرية، ليتضح لاحقاً أن هذا الغطاء المرن قد تمّ شدّه فتحوّل إلى غلالة شفافة لا تكاد تُرى، إذ إن ملكيّة الجسد لا يمكن أن تكون أكثر من ملكيّة للجسد، والأمر يختلف عندما يتعلّق بتملّك الأرض أو وسائل الإنتاج، وحريّة الفرد بما هو مالك لجسده لا يمكن مضاهاتها بحريته بما هو مالك دون تحديد. القول: “إنني مالك لشخصي” هو تقريباً خطاب كل إنسان حر للتعبير عن حق طبيعي، أما القول: “إنني مالك لأسباب امتلاك الآخرين لشخوصهم” فهو خطاب سلْبِ الآخرين حقاً مشتركاً. إن شرط امتلاكي لشخصي، هو ممارسة هذه الملكية في محيط يتمتع في الآخرون بالحق ذاته، أي أن يكون لكل منهم حق امتلاك “شخصه” بالذات. وإلى ذلك فإن حقولاً عديدة من الملكيّة تظهر بأشكال متجاورة: الشخصية، الفردية، العامة، الاجتماعية. لكنها لا تظهر لكونها متطابقة، أو قادرة على أن تحلّ بدل بعضها البعض، أو أن تقوم إحداها بسلب ممكنات الأخرى.
لقد تمّ تعميم مبدأ الحرية بما هي نتاج للملكية من أجل مصادرة التراكمات الهائلة من العمليات الإنتاجية لتكون رصيداً “للأمة”، مع أنها تتبع من الناحية الفعليّة نسقاً واحداً هو أن تصبّ في مصلحة محدّدة لأفراد محدّدين، دون غيرهم.
النتيجة المترتّبة على ذلك هي منح الممارسة السياسية الليبرالية التي توظّف مبدأ الحرية طابعاً اقتصادياً، وهكذا تنعكس الملكيّة على تحديد مَن يحكم، ومَن هو أحق من غيره بالحكم.
___________
نشر بموقع الأيام