النقد

الشعر المحكي عند تجربة الشاعر: الصيد الرقيعي

الشعر المحكي – بالنسبة لي.. أمر مثير.. كنت أجزم – بجهل مطبق – عدم  شريعته ولم أكتف عند ذلك، بل ﻨهبت إلى تحريم تناسله متكئاً على فكرة مفادها إنهاك اللغة الفصيحة وما يكرسه من إقليمية وقبل ذلك وبعده محدودية قدرته على نحت الصور العميقة وخلوه من الفكر الـﻨي هو مادة الشعر الحقيقي.. وهكذا اعتقدت أن تجربة المحكية في ليبيا مجرد جريد بائس ومهمات أخرى تلقى في ميناء طرابلس ليأتي عليه الموج والباقي حظ الريح لتدوره في الصحراء الكبرى.. كل هدا يحدث لي وأنا استمع إلى نماذج مشوهة من هدا الجنس الفني الوليد.. أصوات مبحوحة ومتفرقة..

وعندما قرأت تجربة الشاعر “الصيد الرقيعى” في مجموعته الأولى (عيون سالمة) أدركت تماماً أن هناك فناناً يتوارى كثيراً وينحت كثيراً وأنه متقف ممتلئ بالإحساس والحب والصوفية العفوية…

أجل.. استطعت أن أنفض كل هذا الركام  الخاطئ من الأفكار والذى يضج في ذاكرتي وصرت يقيناً أؤمن بنضج هده التجربة الرائدة التي أخذت تشق طريقها للتشكل أو اتضاح ملامح أساسية من نضجها على أقل تقدير.

و”الصيد الرقيعي” كان سباقاً إلى الاكتشاف الذي استنزف منه وقتاً طويلاً حتى هذه اللحظة التي تشهد اهتماما نزراً بهذا الفن الوليد، وبالإضافة إلى الشاعر “الصيد الرقيعي” هناك شابان آخران تتلمذا في مدرسة الشعر الغنائي أو الزجل الشعبي والتحقا بهذا الفن ليشاركا في بناء نهضته في ليبيا وهما “سالم العالم” من بنغازي، و”محمد الدنقلي” من زلة-مصراته.

و”الصيد الرقيعي” قدم تجربته انطلاقاً من مدرسة الشعر العربي الحديث وتنظيراته، والذي جعل منه ينفرد بلمسات حادة تكشف مهارته في فن الاكتواء بالكتابة الشاعرة.. غير أنه شأن ليبيا يحتجب عن الأضواء الكاشفة ذات الألوان الفاقعة ويخجل شأن الثوار والاشتراكيين الأجلاء.. وتجربة (عـيون سالمة) مهما حاول الشاعر غض النظر عنها الآن لما تبعتها من كتابة، يرى الشاعر أنها الأعمق والأكثر جمالاًًًًًًًًًًً.. تظل المغامرة التي اكتشفت قارة بأسرها  –والمتأمل في هده المجموعة لابد له من أن يفرغ من حقيقة ثابتة وهي أن سؤال الحداثة عند الشاعر ينطلق من مفهوم اكتشاف الحيز المحلي بترائيته وأشياؤه وطرحه على مائدته الإنسانية .. وهكذا عبر قصائد المجموعة يظل هدا السؤال متواصلاً بل وملحاً في أحايين كثيرة..

وهده بعض النماذج :

ورا السور.. ناس بيضحكوا

والضحك دوبهم أطفال صغار

ورا السور .. يخضار الجليد والنار

ويعلا الزمان ويتمر

والأرواح غابة مفتحة نوار

وكذلك :

خلف المدى 

ينفض الصمت أحلامه

ويبنى النور أوكار

في عشب السهول

يغسل البدر أهدابه

مقالات ذات علاقة

بعضاً من سيرة العبودية..

ناصر سالم المقرحي

قراءة في شخصيات “نزيف الحجر” للكاتب إبراهيم الكوني

أمينة هدريز

قراءة في رواية “رحيل آريس” للكاتبة الليبية د. فاطمة الحاجي

المشرف العام

اترك تعليق