من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
قصة

الفصيل الرابع

من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي

 

درجة الحرارة وصلت الحمى والشمس ترسل إشاعة مائلة نحو الإسفلت الذي يعكسها حتى تشعر بأن أفران الدنيا قد فتحت في ذلك اليوم الصيفي من السنة… ومنذ الصباح ترى سراباً يرتفع فوق سطح ذلك الإسفلت بل انك ترى بؤراً منه تتحرك تقريباً تبتعد عن بعضها تسيل نحو الجانب الآخر من الأرض الموازية . وتشتم رائحة الأحذية وهى تنفث من تحت الأقدام تملا الجو المحيط وتختلط برائحة القطران والدخان ..

انتهت لتوها الطقوس المتعارف عليها في طابور الصباح … وتحرك الفصيل الرابع من السرية الرابعة من الكتيبة الرابعة – حسب المسميات المتعارف عليها في النظم العسكرية – تلك الفصيلة التي يقودها العريف حسين …

تأمل في وجوهنا برهة بعد أن جال بنظره محملقا فينا كل وجه على حده كنا اثنان وثلاثين فرداً احدنا كان غائباً ….سائل العريف حسين أين فلان ؟ لم يرد أحد وكرر سؤاله أين فلان ؟ ولم يحصل على أي جواب … تكلموا يا … – وتفوه بألفاظ بذيئة معروفة في العرف العسكري- لا حراك ولا من مجيب.. ونحن نعرف أنه هرب قفزاً من السور ليلة البارحة …

اقترب من أول فرد في الصف الأول وقال تكلم أنت ؟ فهز كتفيه معرباً عن عدم معرفته بسبب غياب الغائب وسأل الواقف على يساره وتلقى نفس الإجابة …

ابتعد العريف حسين قليلاً أخذاً مكانه أمام الفصيل وقال بصوت عالي … استعد .. استاريح .. استعد … لليمين دور … عادة سر … ياس يام ياس يام .. رجل بدل … رجل بدل … قف … وازناً هارول .. وطفنا حول ساحة الإسفلت متسعة المساحة .. وأيدينا على صدورنا .. كان العريف حسين يعاقبنا على جرم لم يقترفه أحد منا .. وهو الوحيد المسئول عن هروبه ..

وقف العريف تحت إحدى الأشجار على جانب الساحة وبعد أن طفنا خمس لفات حولها أوقفنا ونحن نتصبب عرقاً وقبل أن يتكلم أنتظاراً لأحد زملائنا الذي تأخر قليلاً عن اللحاق بناء .. نظر إليه وقال له وضع البروك خذ .. نفذ ما أصدره له من أوآمر .. أنهض قال له العريف فنهض والتحق بناء وهو ينفض ما علق به من غبار ..

اصطفينا من جديد … وسأل العريف حسين .. وين نورى … نعم قال نوري – بصوت عال مثل كل يوم – ورفع يده خذ خطوه لليمين قال العريف .. تنحى نوري لليمين قليلاً … قال العريف كيف حالك يا نوري ؟ تسلم عليك أمك . – بالك تبي فلوس .. بالك تبي معجون أو صابون .. واستمر العريف حسين .. نوري هذا جاري .. نوري يسكن في الدريبي .. وسكان الدريبي ناس كويسين .. أطلع يا نوري تعالى هرول .. وخرج نوري وهرول باتجاه العريف حسين ووقف استعداد أمامه ودار بينهم حديث لم نسمعه ونحن واقفين .. ولما انتهى الحوار عاد نوري للطابور ثم عاد العريف حسين .. عادة سر قف تفرق وتفرقنا تحت الأشجار….

مقالات ذات علاقة

الفأر الأعور… وخزينة السلطان

المشرف العام

الجنون

علي فنير

الحراقة

المشرف العام

اترك تعليق