وفى ذلك البلد منع القادةُ رعاياهم من الذكور عن «كلّ شيء». لم يتبق أمامهم سوى لعبة واحدة. تجمعوا فى حلقات وتكأكأوا حول رِقاع السيزا فى الساحات العامة والحدائق والشوارع وخلف البيوت.
لم يعد أحدٌ يسأل عن سبب منع الـ«كلّ شيء»، طالما أنه كان فى واقع الأمر «كلَّ شيءٍ إلا واحداً»، وهكذا انخرط الجميع فى لعب السيزا كباراً وصغاراً، وقسّموا أنفسهم إلى مربّعات وصفوف وحلقات على مدار الساعة. كان من شبه المستحيل أن تجد ساحة تخلو من المتنافسين الذين يتمتعون بهذه الهبة الاستثنائية.
نصف المجتمع كان معطَّلاً بالطبع. فالنساء والفتيات كنّ محرومات من هذه الرحمة. كنّ غالباً يتفرّجن من وراء الشبابيك الخشبية، أو يحوّلن هذه المباريات إلى حدث يومى فيناقشنه ويتحدّين بعضهن بعضاً فى مراهنات ربح وخسارة.
تتكون رقعة السيزا من 49 خانة يتواجه فيها فريقان يتكون كل منهما من 24 كلباً، ومثل سديمٍ فى الفلك الأقصى تدور الكلاب على خانة واحدة، هى المحور، قبل أن تتساقط شيئاً فشيئاً وتذوب دون أن تصل إلى الأرض، مثل شهب خاطفة، ثم يُعلن عن الفائز الذى تبتهج مجموعته وتطلق ما تشاء من أوصاف مرحة، وهى مُذلّة أيضاً، ويكون جزاء الخاسر – أغلب الأحيان – وجبةَ عشاءٍ بلحم خروف وطنيّ، أو بعض وجبات سريعة مثل شاى بحبات الحمّص المقليّ، أو اللوز المزلوط، وهو لوز منزوع القشر مطبوخ بماء بارد.
هذه اللعبة حوّلت الرعايا اللاعبين إلى رموز وطنيةٍ مصادَق عليها رسمياً، وهى شهادة كانت تبعث على الفخر بين الأهالي، ولأنهم كانوا يهرهرون أثناء لعبهم فلم يكن عبثاً أنهم أطلقوا على أدوات لعبهم – التى تماثل البيادق فى الشطرنج – اسم كلاب، وأنا أقول أنهم أصبحوا – فى حساب المساطر الفلسفية – كلبيّين بارعين بالرغم من أنهم لم يعرفوا أنتيستنيسAntisthenes، أو غورغياس Gorgias، أو سقراط Socrates، أبداً.
سنةً إثر سنة، أصبحت اللعبة شغلاً شاغلاً للرعية التى أهّلها ذلك الاستثناء اليومى لتصريف حياتها على نحوٍ لا يجيده – وكان من المستحيل أن يجيده – شعب آخر فوق الأرض وتحت الشمس، فقانون السيزا كان معقّداً، بوصفه النشاط التنافسى الشرعى الوحيد المعترف به، حتى أن نصوصه القانونية وما اقتضته التعديلات الدستورية من ملاحق، وإضافات، وملاحق على الإضافات، وإضافات على الملاحق على الإضافات، شكّلت موسوعة فريدة من نوعها، ودفعت بالمحكمة الدستورية إلى مخاطبة هيئة غينيس لمنح موسوعة السيزا رقماً قياسياً مميّزاً، ولكن الدولة لم تتمكّن من انتزاع هذا الاعتراف باعتبار أن قانون السيزا التنافسى لا ينافسه قانون مماثل، وهكذا اكتفى القادة أنه القانون الأول على وجه الأرض.
بلغ الإتقان حداً أصبح فيه كل بيت خانةً من خانات رقعة السيزا التى اتضح أنها المدينة بأكملها، وكل مدينة بدورها كانت تمثّل خانةً واحدةً، والمدن كانت الدولة، والدولة صارت رقعة سيزا كبيرة تصدر هريراً دائماً لا يتوقف آناء الليل وأطراف النهار.