النص الثري هو النص العابر للأزمنة ، بمعنى أن دوال النص ليست مقيدة بالمدلولات التي وضعها الناص، بل يستطيع القارئ الذي تصفه نظرية التلقي بالقارئ المثالي والضمني أن يُخرج تلك الدوال من سياقها الزمني والدلالي ليسقطها على أزمنة ومدلولات أخرى.
والنص الثري كما النص الفقير موجود في كل زمن وبيئة، لكنه درجات ومراتب ، ولعل أعلاه مرتبة هو نص الأسئلة والمفاجأة والدهشة، نص يستعصي على القارئ السطحي ، شامخا ببنيته، ثريا بدلالاته، يخبئ تحت حروفه وخلف كلماته رؤى وأحلاما وربما جنونا.
وينبغي أن يكون هذا النص بغية الباحث الذي يسعى إلى دراسة النصوص الأدبية وتحليلها وبخاصة في مرحلتي الماستر والدكتوراه ، فمن المفيد له ولبحثه أن يختار النص الثري الذي يستحق عناء البحث، وأن يجتنب النص الفقير والشاحب، فلا شك أن تعامله مع النص الثري يكسبه ثراء معرفيا ، ونضجا في الذائقة، وسعة في المخيلة، ويؤهله في المستقبل لأن يكون أستاذ بارعا في تدريس الأدب.
ما الذي يستفيده الباحث وما الإضافة العلمية التي يضيفها بحثه حين يدرس نصا فقيرا شاحبا يكرر المكرر، ولا يقول إلا المعنى العادي والمألوف، وكُتب في الغالب لأجل تزجية أوقات الفراغ ومجاملة للآخر، أو لأجل الشهرة والوجاهة الاجتماعية؟
وهنا قد يسأل سائل : ومن للنصوص الفقيرة والشاحبة؟ هل نهملها؟
والجواب :مثل هذه النصوص لا بأس من التعريف بها ،والاستشهاد بها في ثنايا بحث عام يؤرخ لمرحلة أدبية معينة ، ثم ليس لها من مكان مناسب سوى الأرشيف تخزن فيه ، وتبقى هناك مصونة في الذاكرة الأدبية ،لا تخرج منها ، ولا يشجع الباحثون على دراستها ثانية .
ومن المؤسف حقا أن تجد في هذا الزمن من يرغب في دراسة الأدب وهو يجهل ما الأدب؟ وما الأدبية؟، ويتصور أن كل كلام منظوم على تفعيلات الخليل ، أو مرصوف في سطور شعرا ، ويرى كل قصة أو رواية أو سيرة نصا أدبيا يصلح للدراسة ، ونتيجة لهذا يختار النص الفقير ،والأفظع من هذا أن يتصنع مقاربة هذا النص بأحد المناهج الحديثة السياقية منها والنسقية مع عدم الإلمام بالمنهج ، فيأتي بحثه نتيجة لهذا الجهل المركب مهلهلا ورقيعا ، يعج بأخطاء منهجية فادحة ونتائج مفتعلة وأحيانا مضحكة.
ولا شك أن مثل هذه الأخطاء المنهجية الفادحة تعود إلى أن الحصيلة العلمية للباحث ضعيفة ولا تؤهله لإنجاز بحث علمي رصين ، ولا يمكن في هذه الحالة إعفاء المشرف من المسؤولية ، فقد يكون هو والباحث بعيدين من مجال البحث العلمي الجاد والمفيد.