شهدت مكتبة الإسكندرية ضمن فعاليات معرضها الدولي للكتاب وبالتعاون مع الجمعية المصرية لاكتشاف ورعاية المواهب مساء السبت الماضي أمسية احتفائية بتجربة الموسيقار الليبي ناصر المزداوي تحت عنوان (موسيقى السبعينات الشبابية.. نقلة نوعية نحو المستقبل)، بمشاركة الناقد والموسيقار المصري الكبير أحمد خليل، وبتقديم من الكاتب أحمد بسيوني، وبحضور واسع من الفنانين ومحبي الفنان المزداوي في مصر، وتم إعداد هذه الأمسية لتصحيح التاريخ حول حقيقة التحولات التي حدثت في الموسيقى العربية فترة السبعينات، والتي كان الفنان الليبي ناصر المزداوي من أهم صانعيها، بشهادة الموسيقار المصري الكبير محمد الموجي الذي قال حين سمع أغنيات المزداوي في السبعينات أن أغنياته هي أغنيات المستقبل.
بدأت الندوة بتعريف الكاتب أحمد بسيوني بالمناخ الذي سبق ظهور تجربة الموسيقار ناصر المزداوي، فذكر أن وفاة الفنان المصري عبد الحليم حافظ أدت إلى صدمة لدى الشباب المصري والعربي خصوصا أن الكثيرين منهم كانوا يرونه مثلهم المفضل، وكان غيابه صدمة شديدة لشباب الجامعات، فتوقفوا عن الاستماع للغناء المصري والعربي واتجهوا للغناء الغربي، فظهرت بعد ذلك فرق الفنانين الهواة مثل، عزت أبو عوف ومودى وحسين إمام وعمر خيرت وهاني شنودة، الذين قدموا فنهم لرواد الفنادق، وفي هذه الفترة ظهر الفنان الليبي ناصر المزداوي كشاب ذي صوت حساس متميز يحمل قيثارته ويحكى عن مواجع الغربة والحب معبرا عن روح جيل الشباب في تلك الفترة، وكانت أغنيته «شنطة سفر» ضمن ألبومه «الغربة» علامة متفردة في بداية السبعينات.
وأعطى بعدها المجال للفنان المزداوي للحديث فقال: اشعر دائما بالارتباك أمام جمهوري الحبيب.. الجمهور المصري، وأحب أن أقول أنى تعلمت من الفنان الكبير سيد درويش صياغة الكلمة لحنا، مثلما تعلمت من الملحنين الكبار محمد الموجي ورياض السنباطي، هؤلاء ملحنين عظام، والإنسان في كل مكان في العالم وفى كل اللغات هو ملحن فحين يتحدث هو يلحن بشكل طبيعي.
وأضاف الفنان المزداوي: لقد تعلمت من الأساتذة المصريين، ملحنين وأدباء وفنانين، الكثير من الأفكار، وأنا كعازف قيثارة كان لي شرف أنى أول من عمل الفرقة المعاصرة التي تغني بالعربي، وقبلي كانت الفرق تغنى أجنبى وبشكل نمطي، أنا جنسيتي ليبية ولكن هويتي الفنية مصرية، و المصريون شعب وحضارة عظيمان، ومصر البلد الوحيد الذي يستقبلني دائما بترحاب خاص.
و بادر الكاتب احمد بسيوني إلى سؤال الفنان عن سر غيابه عن مصر طوال المدة الماضية، فأجاب المزداوي: أنا رجعت لليبيا في أخر طائرة طلعت من القاهرة أثناء الربيع العربي، لأني شعرت بناء على خبرتي من الحياة والسفر أن الثورة ستحدث في ليبيا أيضا، ورأيت انه من واجبي أن أكون هناك جنب أهلي وأبناء بلدي، وبدأت الثورة في ليبيا و بقيت في بلادي حتى الآن حينما شعرت أن الأوضاع هدأت قليلا، وجئت الآن لمصر لكي تكون انطلاقتي الجديدة منها لأن مصر هي مدرستي.
وجاء السؤال الثاني من الكاتب بسيوني عن ملابسات ظهور ألبوم «الغربة» للفنان الذي كان علامة فارقة في تاريخ الأغنية العربية المعاصرة، فترك الفنان المزداوي الإجابة لشهادة من الفنان المصري يحي خليل الذي تحدث في شهادة مصورة عرضت للجمهور، قائلا: كانت هناك تجارب في تغيير شكل الموسيقى لكنها لا تحسب، ويعتبر ألبوم «غربة» للفنان الليبي ناصر المزداوي أول تجربة حقيقية في تغيير شكل الموسيقى بشكل عام و تهذيب الأغنية القصيرة التي تميل إلى الطعم العالمي، وحين كنت في أمريكا أرسلوا لي هذا الألبوم، وعند سؤالي عن صاحبه قالوا لي أنه مات، وبعد سنوات جاءني أشخاص اخبروني أنهم كانوا يشتغلون معه، فانتجنا لهم أعمالاً، وذات يوم اتصل بي الفنان ناصر المزداوي لأكتشف أنه لا يزال حيا، وأخبرني أن خبر موته كان إشاعة تم أطلاقها عليه، وهكذا الفكرة الجديدة حينما تنجح يخرج لها الكثير من الآباء وحين تفشل يهرب عنها الجميع.
وقدم الفنان المزداوي بعد ذلك إحدى أغنياته عن مصر وأهداها للحضور ولكل الشعب المصري عازفا على قيثارته كلماتها التي تقول: أنا راجع اشرب ميا من مية المنيل، وأتمشى فيك شوية يا مصر بالليل.
ليتحدث بعدها الفنان والناقد أحمد خليل في شهادة عن ألبوم «غربة» وتجربة ناصر الريادية قائلا : ألبوم «غربة» كان طفرة، كل الشباب حينها اقتنوه وسمعوه وحفظوه، ومعظم المطربين الذين كانوا يعملون حينها في الفنادق بمصر كانوا يغنون أغنيتين أو ثلاثة من هذا الألبوم، حينها لم تظهر آلة الاورغ بعد، فكنا نستخدم البيانو مع الدرامز، ونقوم بإحضار ألبوم ناصر المزداوي «غربة» وأداء أغنياته، وكان معي حينها الفنان جمال قوقو الذي رغم مرور أكثر من أربعين سنة على ظهور هذا الألبوم لا يزال إلي الآن في حفلاته حريصا على الغناء من أغاني ألبوم «الغربة»، وفى ما بين سنتي 76 و77 سافرت إلى ليبيا وتم استقبالي هناك بترحاب ووجدت فرقة بألآت حديثة، وبعد أسبوعين طلبوا مني إعداد الفرقة التي أُشرف عليها لغناء أغاني ناصر المزداوي، فاحضروا لي ألبومه «غربة»، وكان لدى قدرة على تدوين النوتات الموسيقية بالسمع، فدونت موسيقى الشريط حتى يمكن للفرقة عزفها، وكان معي الفنان زكى عصمان على الدرامز فولوت، والفنان عطية شرارة والفنان محمد سالم على القيثارة، واستعدينا جيدا لحفلة الفنان ناصر المزداوي في «مسرح البلدية» وقدمناها بشكل جيد، من خلال تقديمنا أغنيتن من ألبومه ،الفنان ناصر المزداوي فنان كبير ومتميز.
ووجه بعدها الكاتب ومقدم الاحتفالية أحمد بسيوني سؤالا أخرا للفنان المزداوي لمعرفة ملابسات ظهور فرقة «المزداوية»، فأجاب المزداوي:
الفرقة والألبوم ظهرا بعدي بـ10 سنوات، حميد الشاعري أعجب بألبوم «غربة»، فأسس فرقة المزداوية وكأنها إكمال لمسيرتي، وظهرت في الألبوم صورة الفنان وحيد حمدي، والناس اعتقدت أنه أنا، ولكن بعد عصر الانترنت اتضحت حقيقة الموضوع.
وتحدث الفنان ناصر بعدها عن علاقته بالإسكندرية وفنانيها قائلا:
أريد أن احكي عن فرقة اسمها «الحب والسلام» في الإسكندرية، فنانو هذه الفرقة تعرفت عليهم في الماضي هنا في الإسكندرية وأحسست أنهم يشبهونني رغم اختلاف اللهجة المصرية، كان من أعضاء الفرقة الفنان محمد مغازى وشاعر الحب والسلام أحمد يسرى، هذه الفرقة كانت تغنى عن الغربة والسياسة بينما كنت أغني عن الغربة فقط، هؤلاء الفنانين هم من عرفني بالوسط الفني المصري، وانطلاقتي الأولى عربيا كانت من الإسكندرية، ودائما عندما أكون في زيارة للقاهرة أرجع سريعا إلى الإسكندرية، لأني لا استطيع الابتعاد عن هوائها، ولاحظت أن معظم الفنانين في القاهرة من أصول إسكندرانية، والآن أنا أعدّ لفرقة تضم أكبر العازفين في مصر، واكتشفت أن جميعهم من الإسكندرية إلا واحداً فقط، وأنا الآن في فترة التجهيز لتصوير أغنية جديدة عن الإسكندرية.
وتم بعد ذلك عرض شهادة مصورة أدلي بها الشاعر الغنائي المصري عنتر هلال عن ريادة الفنان ناصر المزداوي في مجال الأغنية العربية المعاصرة، حيث قال: لو تم سؤالي، إلى جوار من أضع الفنان الليبي ناصر المزداوي لقلت أنى أضعه إلي جوار القمم إلى جوار سيد درويش وبليغ حمدي، ناصر المزداوي كان شاباً صغيرا في السبعينات وكنا لا نزال نغنى وراء الموسيقى الكلاسيكية، ومع المتاح من الإذاعة، ونجتر نفس النمط كل يوم، فجأة طار هو خارج هذا السرب، ورمي كل ما هو موجود على طاولة الموسيقى، ووضع شيئاً جديدا، أنا شخصيا حينها اشتريت ألبومه الغربة، سمعت كلمات وموسيقي كانت جديدة جدا، طريقة مبهرة في الأداء اختلفت عن الأداء النمطي المعتاد، سالت حينها من هذا الفنان،فقالوا لي أنه ناصر المزداوي، من أين، قالوا لي من ليبيا، أين يقدم هذا الفن، قالوا لي في أوروبا، ورغم أنه عربي لكنه جمع العديد من الثقافات، هذا الألبوم «الغربة» ليس هناك أحد من جيلي أو الجيل الذي تلانا لم يستمع إليه، أنا احترم الألبوم الذي يصنع حالة ويشتغل عليها بتنوع، ناصر المزداوي في ألبومه «الغربة» أول من عمل حالة متكاملة بغناء وموسيقى جديدين، وألبومه هذا اعتقد أن وقت الاستماع الحقيقي للإبداع الذي جاء فيه لم يأتِ بعد، هذا الفنان قفز بالأغنية قفزة كبيرة، وأقول لناصر المزداوي شكرا لك يا ناصر أنت فتحت لنا باب كبيرا في الإبداع والتجديد كنا في حاجة إليه، وأتمنى أن يخرج لنا حتى كل عشر سنوات ناصر مزداوي جديد، أكيد سيختلف حالنا بذلك.
و فاجأ بعد ذلك الفنان المزداوي الحضور بتقديمه لأغنية جديدة تتحدث عن موضوع غير مطروق من قبل، يستكشف فيها من خلال قصة خيالية زيارته لكوكب مجهول في الفضاء الفسيح وتعرفه على عالمه الموسيقى وتعريفهم بموسيقى كوكب الأرض، وأوضح الفنان أنه يعد الآن الترجمة الانجليزية للأغنية ليتم غناؤها بلغتين، وذكر أنه قام بغنائها خلال جولته الأخيرةفي أمريكا وتم الاحتفاء بها هناك وتكريمه علي إنجازها المتفرد.
وذكر المزداوي أن لديه اهتمام بالبحث حول الرقم 9، وأن القيثارة وصلت إلى 8 أوتار، وانه يبحث وراء انجاز الوتر التاسع، ليعرج بعد ذلك بناء علي سؤال قدم إليه في الأمسية إلى حكاية أغنية «حبيبي يا نور العين» التي غناها الفنان عمر دياب، فذكر أنه كتب هذه الأغنية ولحنها وكان سيغنيها باللهجة الليبية ضمن شريط كان سينتجه له المنتج عماد دياب تحت عنوان «الغربة 2»، وحين كان يتم تجهيز الأغنية طلب منه المنتج أن يترك هذه الأغنية وكانت تقول كلماتها في صورتها الأصلية «حبيبي يا نور العين يا مخلى مكانك»، وحين سمع الفنان عمر دياب هذه الأغنية طلب منى أن يأخذها ويغنيها هو، وأنا أنجزت لحن هذه الأغنية على مقام الحجاز والكوبليهات كورد وهو مقام مصبوغ بالحزن.
قام بعد ذلك طفل من المواهب الغنائية المصرية بغناء أغنية المزداوي «شنطة سفر» صحبة عزف الفنان ناصر المزداوي الذي فرح بأداء الطفل وأثني على موهبته و تمني له أن يكون عبد الحليم حافظ الجديد، وقام بعدها بناء علي طلب الجمهور بإعادة غناء هذه الأغنية التاريخية.
ليوجه بعدها مقدم الأمسية الكاتب احمد بسيوني سؤالا للفنان المزداوي عن تعرضه للسرقات الفنية وهل يعتبر نفسه أكثر موسيقي تم سرقته بعد الملحن المصري الكبير بليغ حمدي، فأجاب المزداوي: أن هناك سرقات مقصودة، وهناك غير المقصودة، وأن في الماضي لم تكن هناك حقوق للملكية الفكرية مثل الآن، وأنا أشكر الفنان حميد الشاعري أنه حين جاء إلى مصر واصل الغناء على نهج ألبومي «الغربة»، وحافظ على استمرار وجود اسمي من خلال أعماله ومن خلال الفرقة التي أسسها وأطلق عليها اسمي وهى فرقة «المزداوية»، وأنا لا اعتبر ما قاموا به سرقة، بل هم أعادوا غناء أعمالي، ويكفيني شرفاًأنهم أسموا فرقتهم باسمى «فرقة المزداوية»، وأنا جئت لهذه الأمسية لتصحيح المعلومات الخاطئة لدى الجمهور، وأنا والفنان حميد الشاعري صديقان، وحميد قام بتوزيع أغنيتي «حبيبي يا نور العين» التي غناها الفنان عمر دياب ووصلنا معا إلى العالمية، حميد الشاعري موسيقار مبدع، والخطأ الوحيد ليس خطأه، بل خطأ من سوق أن أغنياته الأولى كانت له في حين أنها كانت أغنياتي كتابة وتلحينا، وهذا الموضوع شائك وأثرّ على علاقتنا في السابق، لأن بعض المغرضين حاولوا الإيقاع بيننا، لكننا التقينا كما ذكرت من جديد في أغنية «حبيبي يا نور العي«»، وليس هناك مشكلة بيني وبينه وسوء الفهم صنعه بعض الناس، والآن أنا ألاحظ أن هناك كذبا كبيرافي موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، ويجب أن يتم تقديم التاريخ الحقيقي للموسيقى العربية المعاصرة، ويجب أن تكون هناك صفحات تؤرخ لموسيقى الستينات والسبعينات والثمانينات، لان الطرح الموجود في الفيس بوك يظهر أن هذه الموسيقى ظهرت في الثمانينات ونحن في حاجة إلى إظهار الحقيقة ومراحلها من الستينات والسبعينات.
وقام بعد ذلك الفنان ناصر المزداوي بإسماع الجمهور أغنية «حبيبي يا نور العين» في شكلها الأصلي الذي كتبت به باللهجة الليبية.
لتختتم الأمسية بعد ذلك بتكريم الجمعية المصرية لإكتشاف ورعاية المواهب للموسيقار الليبي ناصر المزداوي بمنحه «درع التميز» عن مسيرته الرائدة في تاريخ الأغنية المعاصرة في العالم العربي، وتكريم الناقد والموسيقار المصري أحمد خليل بمنحه «درع التميز» عن مسيرته الرائدة في الموسيقي العربية.