عدنان بشير معيتيق
فنان تشكيلي وكاتب من ليبيا
بين العفة في التدوين البصري والبذخ في التلوين، رشاقة الخطوط في عوالم فسيح تتمتع بخبرة كبيرة وذائقة بصرية متجولة في أرجاء عوالم الفنون التشكيلية منذ بداية التعبيريين إلى آخر ما تم انجازه في تاريخ فن الرسم، الفنان التشكيلي الليبي الطاهر الأمين المغربي يعيش بين الناس معبرا عنهم بكل صدق بخطوط تكاد لا تستقر على أسطح لوحات ممتلئة بمواعظ تشكيلية: وجوه الأمهات, امومة، وحنين الجدات وقصصهن الملونة بإضاءات زرقاء خافتة في أيام الشتاء ونساء يجتمعن عند عين النبع, فتيات بأزياء ليبية مزركشة, فواكه ناضجة بألوان زاهية, تمر، برتقال، رمان، لون اصفر فاقع، طريق يفضي إلى قرية، نخيل وواحات, سماء زرقاء صافية، طفولة ملونة، خيول وفرسان,كل هذا استدعاء لحالات وقيم كانت في الماضي الجميل وأعاد صياغتها في نصوص بصرية ملونة تصل إلى المتلقي دون أي عناء .
يخلخل القناعات القارة التي كانت تتمثل في ذائقة مدرسة التربية الفنية ذات الطابع المدرسي والمستوى الفني والمعرفي المتدني وثقافة سائدة في مجتمع غير منتبه إلى الممارسة التشكيلية وعدم اعتبارها قيمة فكرية وثقافية مهمة في فترات مبكرة من الستينات من القرن الماضي. أعماله لا تسكن دهاليز العتمة فهي تحاكي الحياة البسيطة قصص الناس وما يحيط بهم بأسلوب ومعالجة فنية راقية ذات خطاب تشكيلي مرهف تتحسس مكامن الجمال وتحمل قضايا الوطن والناس, تزدهر ألوانه في اغلبها متشحة برائحة حب الأرض الطيبة وألوانها الزاهية.
الفنان يرسم بكل صدق ملتزم بفنه والقيم الجميلة التي يعبر عنها في أعماله مبتعدا عن فكرة (نخاسة الأعمال التشكيلية) وسياسة الترويج الزائفة التي وقع في شباكها الكثير من الفنانين التشكيليين الليبيين والعرب, التي تجعل من الفنان صانع أو آلات تأتمر بمتطلبات السوق والمشتري فهو يطرح قضايا مهمة بالغة في الدقة من الأمومة وعلاقة الإنسان بالأرض والإنسان بالإنسان والتمسك بكل ما هو جميل في عادتنا وتقاليدنا مع الانفتاح على الآخر والاستفادة من تجاربه وخبرته في جميع العلوم. فهذا البعد الإنساني يضفي ثراء فنيا في هذه الأعمال وتندرج من ضمن الأعمال الحاملة للقيم الخلاقة يتفق عليها الجميع وتعتبر كتابا تشكيليا ومرجعا أخلاقيا مهم من ضمن تراثنا الوطني.
يستدعي الفنان مفردات لوحاته من الذاكرة الشعبية, الحياة اليومية, الأسواق، الوجوه, الأزياء الشعبية, الأبنية وشاطئ البحر, الأرياف والحقول والجنوب الليبي الجميل بمزارعه المختبئة بين لفيف النخيل وواحاته المتأنقة بين أشجاره اليافعة وجداول الماء والعلاقة بين حمرة الأرض وخضرتها وما يكسوهما من زرقة عميقة بسمائها الصافية وهو يتأرجح بكل يسر بين عالمين عالم المدن وعالم الأرياف وعلاقته المتينة التي تكونت فيهما. فالفنان من منطقة فران الشاطئ وأقام بمدينة طرابلس ودرس الفن التشكيلي بروما ايطاليا.
لوحات الأرض والحياة البسيطة في الأرياف لا تعبر عن هذا العالم أو تلك بقدر ما تعبر عن عالم لم يعد موجودا إلا في ذاكرتنا تقريبا وابتعاد البقية عنه بسبب مد البترول والحياة الحديثة الملوثة بكل المظاهر السلبية ، فيصبح عمله بمثابة ومضات تنشط ذاكرة الأجيال في منظومة بصرية معرفية تصبح ذاكرة للوطن يرجع إليها الجميع الكل حسب حاجته الفنية والثقافية.
من هنا أيضا كان الطاهر الأمين المغربي يراعي التطور الذي أصاب فن الرسم منذ بدايات القرن العشرين وصولا إلى أخر مدارسه، ويراعي تطور عين المتفرج الجيد ، فكانت أعماله رغم وضوح ملامح أشكالها واقترابها من الناس في خطابه وطرحه, إلا انه ينتهج آخر ما توصل إليه التعبيريين في تلك الفترات وما أنتجتها مختبراتهم الفنية من خلاصة في المعالجات الفنية الحديثة السائدة في أوروبا وأمريكا اللاتينية كالمدرسة الاجتماعي الأشهر في هذه البلدان.
بعد أن تخرج من ايطاليا في منتصف الستينيات، كان من مؤسسي نادي الرسامين بطرابلس ومن مؤسسي دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة التي قامت بالعديد من المعارض في ذلك الوقت وكان له اهتمامات بفن التصوير الفوتوغرافي فأنتج العديد من الأعمال وقام بالعديد من المناشط والمعارض الفردية والمشاركات الداخلية والخارجية ولم ينقطع عن العمل الفني منذ أن احترفه لأكثر من خمسة عقود لإيمانه برسالة هذا الفعل وما يصبو إليه من آمال وطموحات في ترقية الذوق العام وتخفيف وطأة الجهل في مجتمعنا الذي كان يرزح تحت اعتى الأنظمة الشمولية في العالم.
مواليد 1941 بأقار الشاطيء فزان – ليبيا. حصل على ليسانس الفنون الجميلة قسم الرسم من أكاديمية روما للفنون الجميلة 1965. عضو مؤسس لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب سنة 1971 وعضو الأمانة العامة للاتحاد. شارك ونظم عدة معارض بليبيا والدول العربية والأجنبية منذ عام 1960 . عمل رئيسا لوحدة الفنون التشكيلية لبلدية طرابلس.