من أعمال التشكيلي محمد بن لامين
قصة

“خذا سوك” 

Mohammed_benLamin_01

لا أعرف كيف وقعتُ هنا .. غير أنني كنت معها حين تحسستْ أصبعها و هي تحيطُ به خاتمًا آخرًا غير محبسها .. وقفتْ أمام المرآة .. عدلتْ هندامها .. أخذتْ نفسًا عميقًا كي تفكك أزرار غيظها .. رمتْ جسدها على السرير .. أطبقتْ جفنيها و غاصتْ في جرح عميق .

دخلت الأم نادتها فلم ترد بأي كلمة .. شدتها و قالت : عيشي حياتك .. ما وقفتش عليه .

دخلتْ الأخت الصغرى .. أخذتْ أطباق الحلويات من تحت السرير .. سمعت الحوار .. وضعتْ الأطباق و أخرجتْ علبة المكياج .. أسدلتْ بعض الرتوش على وجه أختها .. سرحتْ شعرها و أعطتها حذاءًا آخرًا يليق بفستانها و قالت:تبحث عنكِ خالتي تسأل عن أكواب العصير .

تسللتُ مع الأخت الصغرى و هي تخرج مسرعة متجاهلةً أمها حين وبختها بعدما انتبهتْ إلى لون أحمر الشفاه الداكن قائلة : حي عليك لو يشوفك بوك .

يضج البيت بالنساء .. أصوات ضحكات .. دردشات ..  زغاريد و أنا أركض مع الفتاة سقطتٌ في عين ابنة عمهن .. يبدوَ أنني ” نكدية ” أو ” مبخوتلي ” فالتنهيدة التي عصفتني بها أنفاسها شطرتني إلى عديد الشظايا .

تستلقي العروس في الوسط لابسةً رداءًا ورديًا تمد يدها للحناية السودانية .. تتحسر إحدى العجائز قائلة : الله الله أيام ما كنا نعجنوا في الحنة بأرواحنا .. حنة بريحتها السمحة .. الوقت هذا ما فيش طعمة .

و أنا لازلتُ أركض بين شظايايّ المبعثرة أخذتْ ابنة العم الطبل .. نزعتْ خواتمها .. ألتفتْ حولها الفتيات و بدأتْ أصوات الغناء تعلو :

حوش كبير و فيه قمر  … إن شاء الله برجاله عامر

لمحتُها و هي تخطو ببطء تهربُ من الأنظار .. و لا أعرف ما شدّني إليها .. لملمتُ ما تبقى مني و ركضت إليها .. أعطتْ الأكواب إلى خالتها ثم ذهبتْ مسرعةً إلى أخيها الذي صرخ في وجهها : وين العشاء جيبنه بسرعة .. قالتْ : سنحضره حالاً و تركته و هو يشتم .

الفتيات تصفق .. تقف في الوسط إحداهن ترقص فيغنيّن لها :

يا مولاي شهادة و جبنا .. جيب زويل اللي عاجبنا

هربتُ من صراخ أخيها و عدتُ إلى ابنة العم التي تتحسس كدمة في ظهرها و تقرع الطبل بألم و تغني : نضحك يحسابوني رايق و أنا مضايق مر مرار الدنيا ذايق .. يعلو الصراخ و الضحكات مع الأغنية و أنا وحدي استمع إلى أنين قارعة الطبل .

تخرج أخرى للرقص يغنيّن :

الصقر اللي دايرلك قيمة … إن شاء الله تحت جناحه ديمة

توشوش إحداهن للجالسة قربها : شفتِ الطقم اللي لابسته عايشة يحق لها  تدلع .. تقول لها : اسكتي أنت مش عارفة شي راجل نسونجي مش دايرلها أي احترام .

رأيتها تدور حولنا .. تشدها خالتها .. تجبرها على الرقص .. الأصوات عالية .. تمتزج الضحكات بأنينها الخافت .. الحناية ترسم يد أختها .. تحاول الهروب فتقع نظراتِها في الحناء و تتوه في تعاريجها .. تقرع ابنة العم الطبل و هي تتحسس الكدمة في ظهرها .. تلعثمتْ الأفواه .. قفزتُ .. وخزتُ ابنة عمها .. ركلتها .. و أنا أقول يمكن أن يكون البخت فنجان قهوة لا يعجبنا فندلقه .. يمكن أن يكون عابر سبيل ننسى ملامحه و يمكن أن يكون حذاءً نخلعه عندما يضيق  .. حاولتُ أن أسرق صوتها .. رأيتُ خالتها تضرب كفيها بقوة حتى تصادمت أساورها .. أصدرت رنينا هزني و كأنني جرس في قاعة امتحان  .. لازلتُ أحاول أن أسرق صوتَها .. صوتُها بعيد جدا .. لازالتْ خالتها تضربُ كفيها .. كانت شفتيها مثل غول يلتهمنا جميعا و كنت أنا سمكة تتخبط .. لا أعرف إن كنت في الماء أو كنتُ خارجه لكنني كنتُ اتخبط .. حاولت أن أسرق أصواتهن كلهن فسبقتني خالتها و غنت  :

خذا سوك يا عين الطير … الرجالة ما فيهم خير.

مقالات ذات علاقة

مخادنة

حسين بن قرين درمشاكي

الكلب الراكض على حافّة الطريق

أحمد يوسف عقيلة

الشجرة والعصفور

خالد مصطفى كامل سلطان

اترك تعليق