غلاف رواية قصيل
قراءات

قراءة في “قصيل” عائشة أبراهيم

الزنور.. الجلاهي.. الشرّيكة.. الكرناف..القصيل.. الرغاطة.. العرقوب.. الخطيفة.. المريقب.. الجلبان.. البندير.. النخاخة.. الكواغط.. الوشك.. النايخة.. المردومة.. المورة.. الوزرة.. حب الرشاد… المردومة.. الوني.. القفة.. القيطون.. البومشي.. الشبرم.. الخرطان.. الصريع.. التنور.. البازين.. الفصلة.. الملهاد.. الكبوس.. الحميض.. الدشيشة.

%d8%ba%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9_%d9%82%d8%b5%d9%8a%d9%84

هذه المفردات وغيرها كثير لن تجدها الا في عمل ابداعي يتميز بخصوصية ليبية مذهلة، نجح في أن يشد أنتباهي وأقرأه بتمعن وتمهل، وأجد نفسي وأنا أتنقل بين سطوره وفقراته وفصوله وصفحاته، أستعيد جزء مهم من طفولتي وصباي وشبابي أيضا، حتى يكاد يتملكني أحساس يزيد وينقص، بأنني بطل هذا العمل بلا منازع، وجوهر شخصيته المحورية ببعض تفاصيلها.. وهذه شهادة من قاري يقر بتميز هذا العمل الإبداعي  ويشيد بروعته حتى قرر أن يكتب عنه وعن مؤلفه السطور التالية:

• كاتبة الرواية

عائشة ثبوت إبراهيم كاتبة ليبية تهتم بالثقافة والابداع، رغم أن مسيرتها الاكاديمية بدأت بحصولها على بكالويوس في الرياضيات، وتواصل حاليا تحصيلها الأكاديمي لنيل درجة الماجستير في الإحصاء الاقتصادي، ألا أنه ومنذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، شكلت عائشة وهي تلميذه بالمرحلة الإعدادية، فرقة مسرحية متكاملة من تلاميذ مدرسة الفجر الجديد لتؤلف وتخرج مسرحية تشارك بها في المهرجانات المدرسية،وفي بداية التسعينيات قدمت لمهرجان مسرحي يقام على مستوى ليبيا مسرحية (قرية الزمرد) لتفوز بالترتيب الأول. عائشة كاتبة هذه الرواية سبق وان كتبت قصصا قصيرة  أهمها : “العالم ينتهي في طرابلس”، “السفيرة الأمريكية تنتظرني”، “انحراف”، “انفلات”، “استثقاف”، “قصة ليست مثيرة”، ولديها مخطوط لمجموعة قصصية تحت الطبع ستصدر بالقاهرة.،كما كتبت عائشة المقال الادبي وقدمت قراءات في بعض الأعمال الروائية، ونشرت نتاجها الأدبي المتنوع  في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية. ولدي عائشة تجربة موفقه في تأليفها لكتاب توثيقي عنوانه “تاريخ الفنون في ليبيا” تم نشره على أجزاء في صحيفة فسانيا الليبية. وفي هذه الشهر صدرت لعائشة رواية (قصيل) عن دار ميم الجزائرية للنشر، هذه الرواية التي أقدم عنها قراءة موجزة هنا تعرض في صالون الجزائر الدولي للكتاب.

• ملخص الرواية

مجمل فصول الرواية قصيل تلتقي عند نقطة الاثار الناجمة عن هدم الموروث الثقافي والعمراني للمكان، وسواء أن كان هذا الهدم بحجج واهية أو مقنعة فأن وقوعه كان مؤلما جداً لبطل الرواية رغم أنه وقع برضاه وبحجة عدم شق الصف أن يحدث هذا الهدم، ويبدو أن ثمة أشارة ضمنية وغير بائنة من كاتبة الرواية تشير إلى أن هدم القديم وإقامة الجديد بديلا عنه لايعني نهاية روعة المكان أو زواله تماما حتى وان تمالك قصيل بطل الرواية الحزن الشديد وجحظت عيناه وبقت معلقتان في الكوة المضاءة في أعلى النفق.كما أختارت عائشة بذكاء أن تختم روايتها بنور ينبعث من أعلى النفق.

• قصيل بطل الرواية

أختارت الكاتبة حامد ليكون الراوي وبطل الرواية كلها، وحامد هو الاسم الأصلي لقصيل قبل أن تسميه عمته بهذا الاسم والقصيل كما وضحته الكاتبة في متن الرواية هو نبات الشعير حديث الإنبات،ولان حامد كان يقبل عليه بشراهة فقد غلبت تسمية قصيل على حامد حتى سجله والده بهذا الاسم بعد سنوات من ميلاده.

تبدأ الرواية بقصيل وهو يسترجع ذكريات السيل وموت الشيخ الهادي في مربوعته في أول جملة في الرواية “أسرع يا بنيّ الرجل يموت” وعنده تنتهي بأخر جملة في الرواية”… وجحظت عيناى معلقتان في الكوة المضاءة في أعلى النفق ” وبين البداية والنهاية لم تغفل الكاتبة أن تجعل القاري يقترب من قصيل ويتعرف عليه وهو يتحدث عن نفسه فيقول: “في أوائل الستينيات وبأحد تلك البيوت أبصرت عيناي النور، حبو ت على العشب الغض والرمل الناعم وتخلّقت طفولتي الباكرة بين مسارب الوادي والجلاهي والغرف المسقوفة بالزنور” كما لاتفوت الكاتبة الفرصة لتعطي لقصيل المساحة الكاملة ليتحدث عن نفسه فيقول في أحد فصول الرواية “وكنت إذا نظرت إلى نفسي في المرآة أجدني ضئيلا شاحب البشرة لا شارب يؤطر ابتسامتي ولا عضلات تكتنز جسدي، أنا كإسمي قصيليّ المظهر، قمحيّ الجلدة، عيناي خضراوان صغيرتان كحبتي زيتون في مقتبل الموسم، ووجهي نحيل غائر القسمات يتغمده شعري المسترسل الطويل كحزمة سنابل تنتظر الحصاد. وفوق هذا وذاك ليس لي في علم الكلام من دِربة ولا في الشِّعر من تجرِبة”.

• شخصيات الرواية

في الرواية عشر شخصيات تقريبا من ضمنهم قصيل الراوي، ورغم وجود بعض الشخصيات المهمة في الرواية الا ان عائشة أختارت أن تشير اليهم بالمكان الذي ينتمون اليه فزان “وفد فزان” او كما سمت احد الشخصيات بـ “الفزاني الكبير” دون أسمه، ووجود شخصيات ثانوية أن صحت التسمية مثل مراد وزميله وكلاهما ماتا شنقا بفعل تأثير الجن وبذلك تكون شخصيات رواية قصيل مرتبة أبجديا على هذا النحو: الحاج عمر، الشيخ الهادي، الوراق، رضوان، زينب، سعدة بنت المرجان، مسعود، مراد، مريومة وقصيل.

• أمكنة الرواية

أروع مافي الرواية أمكنتها، وقدرة الكاتبة على أن تشد القاري بالمكان الذي تدور فيه أحداث الرواية التي تدور في بلدة بني وليد الشهيرة البعيدة عن طرابلس بمايزيد عن مائة كيلو متر، ويعكس وصف الكاتبة لللامكنة مدى تعلقها بها، وعودة للمكان في الرواية تحضر فزان بشكل عارض في الرواية، وفي أشارة الى أرض فيها يتم التفاوض على بيعها وإزالة مافيها من معالم أثرية قديمة، كما تحضر تشاد كمكان تشير فيه الكاتبة الى زمان وقوع الحرب الليبية التشادية، وبعض القرى القريبة من بن وليد والتي يحضر سكانها للتسوق في ميدان المدينة الرئيسي والمعروف بالسوق وهي “نسمة ومزدة والشويرف وتاورغاء وزمزم وأبونجيم” لكن بن وليد هي المكان الذي يسيطر على مجريات الاحداث في الرواية كلها، وترسم الكاتبة خريطة غاية في الروعة وهي تتحدت على لسان قصيل عن أدق التفاصيل في البلدة  بحرفية واضحة فلايشعر القاري بملل أو ببعد زماني يفصل ويشتت ذهنه عندما يقرأ عن “القلعة وهي بناء روماني شاع بناؤها في عهد الاسرة السيفيرية، القديمة”، أو عن “ميدان المدينة الرئيسي الذي يطلق عليه تعميماً اسم السوق وهو أكثر أماكنها حضرية ويضم مبانيها الحكومية وأسواقها ومركزها الصحي، ويحظى بموقع يتوسط قلب المدينة”.

ومن الأماكن التي تنجح الكاتبة في وصفها ببراعة “سواقي بن تليس”، “وادي دينار”، “المسجد العتيق”، “المدينة القديمة”، “المقطاع”، “شعبة غلبون” “وادي مسوجي”  “القلعة الحجرية”  “فوار زمزم،”  “الرصافة” و”السوق” كل هذه الأمكنة تناولتها الكاتبة بود وهي تتحدث عنها ولاتتوقف عن أشعار القاري أن  بن وليد واوديتها وأمكنتها الاثرية القديمة والحديثة هي الباعث الحقيقي لكتابة هذه الرواية ونشرها لتكون بين يديه.

• أزمنة الرواية

كما الأمكنة تشدك أزمنة الرواية وتنقلك بسلاسة وبدون أي تابوات من أوائل الستينات حيت ولد قصيل الى قرون قبل الميلاد ثم تعود بك إلى ثمانينات القرن الماضي وفترة الحرب الليبية التشادية “وكان الراديو الذي يتأبطه والدي في فراشه يبث أخباراً من إذاعة لندن كل ظهيرة عن اندلاع معارك طاحنة بين القوات الليبية تدعمها قوات كوكوني واداي من جهة والقوات التشادية بقيادة حسين حبري من الجهة الأخرى، ويقول أن القوات الليبية مع حلفيتها،استطاعت احتلال مدينة فايا وتقدمت نحو انجامينا. وأن حبري قد هرب إلى الكاميرون”، تم تتحدتت عن حقبة النظام الاقتصادي الجديد “وهو النظام الاشتراكي الذي يقوم على مبدأ الشراكة واقتسام الأرباح بين رب العمل والأجير” وتنتهي بهدم الجرافات للمدينة القديمة “كانت الجرافة تتجه نحو الرصافة وحين سلطت مغرفتها المسننة على ركحها،تخشّبت أصابع قدميّ فأصبحتا ثقيلتين وفقدت الإحساس بهما”.

• الأسطورة والتاريخ في الرواية

حضرت الأسطورة في رواية قصيل بشكل مهم، وتناولتها من جانب المزارات والشيوخ والجن والاعتقادات المتوارثه عند أهالي بلدة بن وليد كما نقلت جانبا مهم من تاريخ قرزة المدينة الاثرية القديمة زنقلت للقاري فصولاً عن العصر الروماني ومملكة التخوم ودولة بن تليس والحكم العثماني والقرمانلي والاحتلال الإيطالي، ثم ملامح الدولة الليبية ما بين عقدي الستينيات والثمانينات وما يتخللها من تغير اجتماعي واقتصادي، ناسجة حولها حكايات تجمع بين الموروث والطرافة والفنتازيا والواقعية والتاريخ، وضمنتها خصوصية البيئة وأساطيرها وتقاليدها وأنماطها الاقتصادية والاجتماعية والمؤثرات السياسية التي تفاعلت معها وفيها.

وأخيراً هذه كانت محاولة لقراءة رواية قصيل التي أعجبتني وأرتأيت أن أكتب عنها للقاري  فشكراً للكاتبة عائشة أبراهيم وفي أنتظار أبداع روائي أخر منها.

مقالات ذات علاقة

عزة المقهور وثلاثون قصة طرابلسية (4) والاخيرة

المشرف العام

صراخ الطابق السفلي… تفتح باب الماضي على مصراعيه

ليلى المغربي

قصص رؤيوية

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق