لا تحمل السماء أي بشارة أما الأرض فرمال صفراء تحترق وكثبان تبدوا الصخور السوداء وكأنها أشباح غيلان ،ثمة أعشاب شاحبة ، شوكية الملمس ، جافة ، صلبة ، تنتشر على امتداد البصر وبين السماء والأرض نفس عطشى للارتواء وسراب .
تطابق يوم ميلاده مع حلول موسم الجفاف ، صلى أهل قريته صلاة الاستسقاء وقبل السلام الأخير للصلاة والدعاء الطويل ولد ، انتظروا قدوم البشارة لكن شيئا لم يتغير فقرر الرحيل ، حمل هموم جفاف أيامه ومضى ، الطرق خلفه مرصوفة بالأوراق الصفراء الذابلة وأشواك العوسج وكأنها لعنات أهل قريته تلاحقه أينما ذهب وحيثما حل .
– أحسب أني أسلك درباً صحيحاً .
هكذا كانت كلماته تتعثر في جفاف حلقه ، يتهادى في مشيته ، يتعثر ، يقف ، يمد بصره نظراته القلقة تمسح المكان ، تتعلق بالأفق البعيد ، الشمس تتوسط قبة السماء ، تبدوا وكأنها سيدة الكون ، الحمولة تثقل وجدانه من ناحية وهذه الشمس تأبى إلا أن تشاكسه من ناحية أخرى ، يضع يده فوق رأسه بحركة لا إرادية ، يئن من تلامس الهواء الساخن لجسده المنهك ، يهرش رقبته ورأسه ، ينتزع سترته الخارجية البالية ، يجعلها غطاء لرأسه وعنقه في محاولة بائسة لاتقاء لسعات الشمس الحارة ، يبدوا نحيلاً كهيكل عظمي لإنسان هارب من كتب ما قبل التاريخ القديم ، لا يستر جسده الأسمر سوى أسمالاً بالية ، باهتة اللون ، الصحراء تمتد أمامه مترامية الأطراف ، شاسعة ، وبطرف قميصه البائد بمسح حبات العرق المتصبب بغزارة فوق جبينه ثم يواصل المسير ، يتذكر جفاف قريته التي تركها خلفه ، يرتعش ، تدمع عيناه ، سيبحث لهم عن الماء ، أجل سيبحث ويبحث حتى يجده وعندها سيعود إلى قريته مبشراً ورسولاً للماء ، يدفن رأسه بين يديه ويبكي ، ها هو الجفاف يحاصره من كل مكان وايس ثمة قطرة ماء واحدة ، لا ماء .
ينظر خلفه ، أمامه سراب وخلفه خطواته ترسم علاماتها المرتعشة على الرمال الصفراء تروي قصة البحث ، سكون الصحراء يزيد من عذابه ويضاعف من شعوره بالوحدة لكنه يواصل رسم خطواته على الرمال ، مأساته تتجسد أمامه شجرة صبار ضخمة ، عجيبة التكوين فيركض هارباً ، يركض ويركض ويركض ، لكن شبح شجرة الصبار يلاحقه ، يتعب ـ يقف لاهثاً ، أنفاسه تتلاحق ، يلتفت ذات اليمين وذات الشمال خائفاً مرتجفاً شريداً ، يصرخ ، يستنجد بالسماء لكن الشمس ترشقه بوابل من سهامها الحارقة ، تتهدل شفتاه ، يزوغ بصره ، تتداخل المرئيات أمامه ، تتباطأ خطواته ، يدور دورات متتالية حول نفسه ، منهوك الجسد خائر القوى يسقط ، تمحى أثاره وأثار أقدامه بفعل أوامر صارمة صادرة من عاصفة هوجاء تثور فجأة ، لكن ثمة أثار يتركها خلفه على الرمال تروي قصة عشقه وحاجته للإرتواء ، يسقط ، هناك حيث قريته البعيدة يكفهر وجه السماء ساعة سقوطه هالكاً وتتلبد بالغيوم حزناً يتفجر بشارة وتهطل الأمطار بغزارة .
خيرية فتحي عبد الجليل ، البيضاء ، ليبيا .


المنشور السابق
المنشور التالي


خيرية فتحي عبدالجليل
خيرية فتحي عبد الجليل. مواليد مدينة البيضاء.
خريجة جامعة قاريونس – بنغازي.
معلمة ثانوي – تخصص كمبيوتر.
تكتب الخاطرة والقصة القصيرة.
أعدت في صحيفة الجبل الأسبوعية بمدينة البيضاء 1998/م وصحيفة الكلمة الحرة البيضاء 2012/م.
أعدت للإذاعة الجبل الأخضر عدة برامج ثقافية واجتماعية منها برنامج واحة النصف الأخر ، برنامج مرآتي ، برنامج قاموس المعلومات ، وبرنامج تحت أهداب القمر.
شاركت في عدة أمسيات للشعر والقصة القصيرة.
تحصلت على جائزة الترتيب الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا ضمن مهرجان لمواهب الشابة الذي أقيم في مدينة بنغازي . سنة …..1996 م.
تحصلت علي الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا للمعلمين عن قصتي شيخوخة وقصة صرخة سنة 2000م .
نشرت في صحيفة الوطن الإلكترونية.
والآن أحد أعضاء تجمع ناشرون وهو تجمع الكتروني علمي ثقافي أدبي عام لمحبي العربية، أعضاؤه أدباء ومؤلفون وأساتذة جامعة، ودور نشر وتوزيع ومعارض كتب، وقراء وطلبة علم، يلتزمون جميعا بالاحتفاء بالصدق والعلم- الأردن.
حاليا أقوم بتحرير صفحة شظايا أدبية بصحيفة شمس الحوار الصادرة بمدينة البيضاء
أحرر صفحة واحة النصف الأخر بصحيفة “الكلمة الحرة ” التي تصدر بالبيضاء.
لدي كتاب مطبوع يحمل عنوان ” أول الفرح ” ومخطوط لرواية لم تكتمل بعد ومخطوط لمجموعة قصص قصيرة .
نشرت في صحيفة طنجة الأدبية – المغرب.
نشرت في الصحيفة الثقافية ، صحيفة الكلمة التي تصدر بلندن.
نشرت عدة مقالات في صحيفة ” ليبيا المستقبل ” التي تصدر – لندن.
نشرت في موقع قاب قوسين ، موقع إكسير ، موقع بلد الطيوب .
نشرت في مجلة أوتار الخليجية.
وصحيفة عدن اليمنية.
المواقع الإلكترونية: http://fulawaha.over-blog.com/ | http://waha2014.blogspot.com/
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك