الماعز, رافق الليبين رحلتهم المضنية عبر التاريخ,و طور قدراته على البقاء كما فعلوا , فظل مثلهم يعيش على الكفاف الصحراوي ,يجوع ويعطش ولايموت,يتسلق اشجار الطلح ليمدهم بحليبه وبالقشدة والسمن, لم يكن الماعز الليبي وافر العطاء ولكنه كان كافيا للكفاف, وعندما تدفق حليب “برنت” اهمل الليبيون ماعزهم مما اضطره للتسكع عبر شوارع مدنهم العريقة واريافهم وقراهم الطاهرة والتهام القمامة ليتحول من ماعز بري عزيز البطن الى مخلوق قمام , كانت اموال برنت قد جعلت من النايلون المادة الاكثر وفرة في قمامة الليبين, وكل ذلك كان من سؤ حظ الماعز الليبي المسكين, فكانت ضحاياه من النايلون بالالاف , قبل ان يطور دفاعاته البيولوجية ضد تلك المادة اللعينة ويحيلها الى غذائه الاهم.
على عكس ماجرى للماعز الليبي حظي ماعز الخليج العربي بعد النفط بعناية كبيرة,فلم يكتفي الخليجيون بتوفير الغذاء المناسب لماعزهم,بل بدأوا في تهجينه بسلالات اخرى, اكثر قوة وجمالا وانتاجا, وشهدت تربية الماعز في الخليج انفتاحا مبهرا النتائج.
الماعز الحجازي هجين فاخر من اجود انواع الماعز, تم تطويره عبر عمليات تهجين ناجحة لماعز خليجي وبنجابي وباكستاني ومصري ايضا, ومن اهم مزاياه القدرة على الانجاب المتعدد فتصل مواليده الى اربعة في مرة واحدة, اما ميزته الاهم فهي شكله الشديد الجمال والاناقة, فاناثه ملكات ساحرات, تتدلى اذانهن الطويلة كأخراص فاخرة وثمينة, اما قوامهن فطويل ورشيق وفاتن,
تيوس هذا الماعز جواهر هذا النوع الفريد, انهم ملوك فرسان, فهم فاتنون وشديدو الاناقة واللياقة, انهم اشبه بنجوم السينما من البشر, يجمعون القوة والنعومة دونما خلل ولا عيب.
كل تلك المزايا جعلت من هذا الماعز سلعة غالية الثمن, وفتحت له اسواقا عربية مجنونة الاسعار اذ وصل سعر الجدي الواحد الى مائة الف ريال سعودي.
تعتبر العربية السعودية والشقيقة قطر اهم مواطن هذا النوع من الماعز,ويتم تصديره من هناك الى ارجاء الوطن العربي الكبير والاسلامي الاكبر وحتى الى اسواق اوروبا وامريكا, انه من انجح السلع التي شرعت في فرض نفسها على الاسواق العربية وخلقت متابعين ومهتمين وباعة ومشترين وسماسرة وعلماء سلالات وتهجين.
فحول هذا الماعز او تيوسه تصل اسعارها الى مبالغ خيالية فقد لايصدق الكثيرون ان “تيسا ليبيا” من هذا النوع وصل سعره الى ستمائة الف دينار ليبي, دون ان يقبل مالكه بالسعر, “فتيسه” لا يقدر بثمن كما تقول حسابات هذا المالك العبقري, فجدي واحد من صلب هذا التيس “الذي لا تنجب العنز التي يلقحها اقل من اربعة جديان” لايقل سعره عن المائة الف دينار , انه تيس من ذهب ولاشك.
“التيس الليبي الذهبي ” هذا, تقول بطاقته انه ولد في العربية السعودية وكبر في الشقيقة قطر ودخل ليبيا وهو في اوج نضجه ومستعد ولائق لتذكير الالاف من بنات جنسه ونوعه الحجازي الفاخر,بل انه قادر على جعل مراعي ليبيا تعج بالماعز الحجازي بدل الماعز الليبي البائس الذي تعود على اكل القمامة وحتى اكياس النايلون التي قتلت منه الالاف في معركته من اجل القاء.
التيس الليبي الذهبي يعاني ما تعانيه كل الكائنات الحية في ليبيا بعد ايقاف تصدير النفط ونقص الموارد المالية للبلاد, فهو ورغم كل شيء كان ابن وفرة النفط الخليجي حتى بالامكان تسميته “البترو ماعز” , فلن يكون بامكانه العيش على القمامة كالماعز الليبي بل انه مهدد بالفناء الذي تغلب عليه الماعز الليبي في رحلة بقائه الطويلة والمضنية.
ككل الكائنات الحية في ليبيا الأن على صاحب التيس الذهبي ان يأخذه للعلاج بتونس بعد مرضه وسؤ حاله وتربص الموت به,ولكن بياطرة تونس لايعرفون ولا يملكون هذا النوع الفاخر من التيوس,مما يجعل رحلة علاجه الى تونس نوعا من العبث و لاحل لهذه الكارثة الا اللجؤ به الى العربية السعودية او الشقيقة قطر حيث خرج للوجود وحيث تمت عمليات تهجينه وحيث خارطتة الجينة الغريبة العجيبة.
الماعز الحجازي وكالكثير من وارداتنا الثمينة المهجنة من الخليج سواء اكانت ماعزا او حليبا او معمارا او فنونا او افكارا تعاني الآن امراض انقطاع صادرات النفط ولاامل لها بالبقاء هنا الا بتصدير النفط وتوفر السيولة فهل يسمح لنا اشقاؤنا الخليجيون بذلك من اجل الحفاظ على تيوسنا الخليجية الثمينة.
______________
عن صفحة الكاتب على الفيسبوك