ضحكاتي تحترق ، لها طعم مثل طعم الرماد في فمي ، أبصقها قبل أن تصل إلى قلبي ، ولها رنة كاذبة كرجع الصدى في واد خال إلا من فحيح أفعى تحتضر ، أعرف كم يكلفني ثمن هذه الضحكة الطافية كالفلين على سطح الماء .
صديقاتي من حولي ثلاث ، يتجاذبن أطراف الحديث الهامس وأنا بينهن لا يربطني بجلستهن سوى خيط واه كخيط العنكبوت المتدلي من سقف ردهة الباحة المتشقق .
يبدوا أن لغة التواصل بيني وبينهن مفقودة أو أن حالة اكتئابي وقلقي سر يصعب اكتشافه ، كنت وكأنني أجلس على جمر ملتهب يقض مضجعي فأقف ، أستأذن الجميع لأخرج لكن أحداهن تشدني بل تأسرني عندما تخلق جوا أسطورياً رهيباً حولها فلا أملك من أمري شيئاً سوى النظر إليها وهي تثير هالة من الإشراق والانبهار حولها تسكبها رويدا رويدا لتلون بها جو الجلسة الشاحب أرى صدى ذلك في نفوس صديقاتي المتحلقات حولها وفي نفسي فأقف لحظة قصيرة كالملدوغة وأنا في حالة اندهاش شديدة خيل إلى أنها تطلب مني أن أجلس وتبدوا كأنها تقول أن جلستها لا تكتمل إلا في وجودي ، رغماً عني أجلس ، تتمادى في تعذيبي عندما تستلم دفة الحديث وتشرع في توجيه حديثها الساحر إلى والاستشهاد بي وأنا استمع في ذهول ، أتأمل حركة يديها وشفتيها ، أحاول قراءة تعبير وجهها وممارسة بعض تمارين الإيحاء الذاتي التي قرأت عنها في بعض الكتب ، تصورت نفسي في انسجام تام معهن ، وألقيت بأوامر صارمة إلى وجداني بالمشاركة والاندماج التام وبدأت أهز رأسي وأنفعل أبتسم وأبكي ، أهمس وأصرخ وأنصت ، لكنني أجد نفسي كالمتفرج على صورة بلا صوت ووجدتني أحاول التركيز كي اركب الصورة التي أمامي إلى أي صوت استحضره في الذاكرة ولكن عبثاً .
وجدتني أضطرب ، أرتجف ، أضحك ساعة تعلن صديقتي عن الحزن و أبكي خلال فضاءات الفرح الشاسعة وألوذ فراراً إلى الانزواء في ركن قصي من الباحة الكبيرة متعللة بصداع عنيف يطرق رأسي دون رحمة ،
أخال أحداهن تهرع إلى مساعدتي ، تجلب لي كوب من الشاي له رائحة تشبه إلى حد بعيد رائحة النعناع الزكية و قرص من الأسبرين القوي كدواء عاجل لصداعي الكاذب ، تصل دفة الحديث إلي ، أطالب بالمشاركة ، أجد نفسي في ورطة ، أستنجد بتمارين الإيحاء الذاتي ، أتخيل نفسي أخوض حديثاً شيقا وممتعا وأرى صديقاتي يضحكن طرباً في اندماج كامل مع حديثي ، أضحك ساخرة من نفسي إذ تتراءى لي صورة من الماضي السحيق موغلة في القدم ، وجه مجعد لشيخ وقور تجاوز الستين من عمره ضرير يحمل فانوسا وطفل بائس ، الأعمى يقود الطفل كلما سار والطفل تتعثر خطواته خلف الشيخ
– هذا هراء ، تقول أحدى صديقاتي .
أنتفض مذعورة ، أفشل في قيادة دفة الحديث وأعود إلى لعبة تركيب الصوت إلى الصورة والانزواء .
فجأة أجد نفسي وحيدة ، تنفرط حلقة صديقاتي واكتشف أنني أقف وسط باحة معرض كبيرة لنحات ناشئ تحيط بي تماثيل النساء وتلتف حولي ، تمتد يدي وبسبابة مرتعشة أحاول إزالة الغبار المتراكم عن جسد المجسم الصغير والمقلد لتمثال ربات الحسن الثلاث و أخرج في هدوء .
.
خيرية فتحي عبد الجليل / ليبيا
المنشور السابق
المنشور التالي
خيرية فتحي عبدالجليل
خيرية فتحي عبد الجليل. مواليد مدينة البيضاء.
خريجة جامعة قاريونس – بنغازي.
معلمة ثانوي – تخصص كمبيوتر.
تكتب الخاطرة والقصة القصيرة.
أعدت في صحيفة الجبل الأسبوعية بمدينة البيضاء 1998/م وصحيفة الكلمة الحرة البيضاء 2012/م.
أعدت للإذاعة الجبل الأخضر عدة برامج ثقافية واجتماعية منها برنامج واحة النصف الأخر ، برنامج مرآتي ، برنامج قاموس المعلومات ، وبرنامج تحت أهداب القمر.
شاركت في عدة أمسيات للشعر والقصة القصيرة.
تحصلت على جائزة الترتيب الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا ضمن مهرجان لمواهب الشابة الذي أقيم في مدينة بنغازي . سنة …..1996 م.
تحصلت علي الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا للمعلمين عن قصتي شيخوخة وقصة صرخة سنة 2000م .
نشرت في صحيفة الوطن الإلكترونية.
والآن أحد أعضاء تجمع ناشرون وهو تجمع الكتروني علمي ثقافي أدبي عام لمحبي العربية، أعضاؤه أدباء ومؤلفون وأساتذة جامعة، ودور نشر وتوزيع ومعارض كتب، وقراء وطلبة علم، يلتزمون جميعا بالاحتفاء بالصدق والعلم- الأردن.
حاليا أقوم بتحرير صفحة شظايا أدبية بصحيفة شمس الحوار الصادرة بمدينة البيضاء
أحرر صفحة واحة النصف الأخر بصحيفة “الكلمة الحرة ” التي تصدر بالبيضاء.
لدي كتاب مطبوع يحمل عنوان ” أول الفرح ” ومخطوط لرواية لم تكتمل بعد ومخطوط لمجموعة قصص قصيرة .
نشرت في صحيفة طنجة الأدبية – المغرب.
نشرت في الصحيفة الثقافية ، صحيفة الكلمة التي تصدر بلندن.
نشرت عدة مقالات في صحيفة ” ليبيا المستقبل ” التي تصدر – لندن.
نشرت في موقع قاب قوسين ، موقع إكسير ، موقع بلد الطيوب .
نشرت في مجلة أوتار الخليجية.
وصحيفة عدن اليمنية.
المواقع الإلكترونية: http://fulawaha.over-blog.com/ | http://waha2014.blogspot.com/
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك