الكاتب يطرح رؤيا لآخرين يرون أن سبب عدم مساهمة الرجل الأفريقي الزنجي في الحضارة الإنسانية يعود الى طبيعة القارة نفسها.
ميدل ايست أونلاين : بقلم: قيس مجيد المولى
يبدأ شلقم أبوابه في كشف النظرة السلبية المتوارثة والحائرة عن الإنسان الأفريقي من حيث سلبيته وتخلفه ومكوثه في وحشيته البدائية القديمة، وقد ذكر شلقم أراء للكثير من الباحثين والمؤرخين تتطابق وما وصِفَ به الرجل الأفريقي.
والإشارة الأهم من هذه الآراء والأوصاف كما ذكر شلقم هي إشارة أرنولد توينبي في دراساته لنشوء الحضارات حيث أعطى الإنسان الأفريقي الزنجي صفرا لدوره في الحضارة الإنسانية كونه لم يقدم أي شيء يذكر.
وفي الوقت الذي اعتمدَ توينبي في دراساته عن الحضارة على العامل العرقي فأن الدكتور عبدالرحمن شلقم يطرح رؤيا لآخرين والذين يرون إن سبب عدم مساهمة الرجل الأفريقي الزنجي في الحضارة الإنسانية لا يعود الى سبب عرقي كما ذكر توينبي وإنما لطبيعة القارة نفسها من حيث جغرافية هذه القارة وتكويناتها، وهناك آراء أخرى قدمها البعض من الباحثين ومنها ما يتصل بالنظرة العنصرية التي تعد الرجل الأفريقي الزنجي هو الحلقة المفقودة ما بين الإنسان والحيوان.
والبعض من هذه الآراء كانت تسوغ وتمهد للحملات الإستعمارية على هذه القارة تحت ذريعة تطويرها وإنقاذ إنسانها للرقي به الى المستوى الذي يجب أن يكون عليه الإنسان العصري.
ولا شك أن هذه الآراء عن المجتمع الأفريقي والرغبة الإستعمارية لإستغلالهم واستغلال خيراتهم كانت بمثابة البدايات الأولى لوعيهم وإدراك حجم التحدي الذي يواجهونه في سلبهم وجودهم المادي والروحي فوجدوا في الأدب الوسيلة الممكنة للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم وحبهم لقارتهم وحقهم في استكمال تكوين شخصيتهم تجاه محاولات المسخ المنظم التي كانت تمارس بحق الشخصية الأفريقية، ثم يستعرض شلقم مجموعة من الدالات التي جمعت الأفارقة مع شعوب أخرى ودالات أخرى على الصراعات ما بين الزنج وأقوام غازية ويشير الى الكثير من الصلات التي جمعت بين الأفارقة والعرب ومنها تأثر العقلية الأفريقية بالتراث الشعبي العربي.
إن هذا الباب أو بالأحرى المدخل الذي قدمه شلقم في كتابه “أفريقيا القادمة- دراسة في الأدب والفن والتاريخ الأفريقي” والصادر عن دار بيسان للطباعة والنشر، يقوم هذا المدخل على عنصرين أساسيين حددهما المؤلف بـــــ:
أولاً: قيام المستعمر الأوروبي بتشويه مقصود ومسخ مخطط للهوية الأفريقية، بالإضافة الى كذب أحاديث هذا المستعمر التي رتبها وأعدها قبل إستعماره لأفريقيا.
ثانياً: العرض السريع لطبيعة العلاقة ما بين العرب وأفريقيا قبل الإستعمار والمقاومة التي قادها العرب دفاعا عن أفريقيا.
ولا شك – وضمن تلك الموصلات المتعددة والمتنوعة ما بين المسخ والوجود، ما بين المجهولية والإنبعاث، ما بين الحياة والموت – لابد من وجود، وبتعبير المؤلف لا بد من (أفريقيا قادمة) القادمة من بداية التكوين الأفريقي (الأرض – المناخ – الإنسان الأسود وشعوره – مساراته التاريخية – وعيه – رغباته – تقاليده …) والأهم جوانبه الثقافية ونتاجه الأدبي والفني والتي تنوعت ما بين الشعر والحكاية والرسم والنحت والغناء وغيرها من الأنماط الأدبية والفنية والتي أثرت التشكيل الحضاري لأفريقيا التي طرق شلقم أبوابها بتفاصيله الدقيقة عبر الفن – الموسيقى –الأدب – الغضب الجديد – وللغابة أدبها – وأفريقيا القادمة من أجل أن نقرأ قصيدتها الجديدة ونسمع قرع طبول حريتها.