صدر حديثاً عن دار “الكتب خان” بالقاهرة كتاب “جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لم يمضي” للكاتب والمترجم سمير جريس.
ووفقا للناشر : يستعرض الكتاب أهم المحطات في حياة الكاتب الحاصل على جائزة نوبل، ويقدم رؤية نقدية لأبرز أعماله، لا سيما تلك المترجمة إلى العربية.
ويفرد المؤلف فصلا عن علاقة جراس بالعالم العربي، وتحديدا من خلال الرحلتين اللتين قام بهما جراس إلى اليمن في مستهل الألفية الثالثة.
ومن مقدمة الكتاب:
“منذ أول أعماله، رواية “طبل الصفيح”، وجراس هو الكاتب الحداثي في ألمانيا، والوجه الأبرز للأدب الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، وأكثر الكتّاب الألمان تأثيراً في الأدب العالمي. لذلك غدا جراس النموذج والمعلم بالنسبة إلى عديد من الأدباء في العالم، مثل سلمان رشدي وجون إرفينج. أما في المنطقة العربية فقد ارتكزت شهرة جراس أساساً على مواقفه السياسية المناصرة لحقوق الإنسان والداعمة للعالم الثالث. وبالرغم من ترجمة عدد من أعماله إلى العربية، أظنُ أنه لم يُقرأ على نطاق واسع…. وأعتقد أن ابتعاد القراء العرب عن أعمال جراس يرجع، من ناحية، إلى ضخامتها وتعقد بنيتها والتصاقها بالتاريخ الألماني واحتشادها بالتفاصيل، كما يعود إلى نوعية الترجمات العربية. … ويتضح قلة الاهتمام بجراس عربيا في عدم وجود كتب تتناول حياته أو أعماله، فهذا – على حد علمي – أول كتاب يصدر بالعربية عن صاحب ثلاثية دانتسج.
جونتر جراس، أيضاً، لم يعرف إلا القليل عن الأدب العربي، رغم أنه زار مصر في عام 1979 بدعوة من معهد جوته، حيث عُرض الفيلم الذي أخرجه فولكر شلوندورف عن رواية “طبل الصفيح”. … بعد ذلك بسنوات زار جراس اليمن مرتين في مطلع الألفية الجديدة. وعندما سألته في صنعاء عن الأعمال التي قرأها بالعربية، قال لي إنه لم يطالع إلا بعضا من روايات نجيب محفوظ. كان واضحا لكل من رافق جراس في اليمن أن العمارة التقليدية هناك – التي أطلق عليها جراس “قصيدة من طين” – هي التي فَتَنَت قارع “طبل الصفيح”، وأثارت اهتمامه أكثر من الأدب العربي. (…)
كثيرة هي وجوه جراس، الشاعر والروائي والنحّات والرسام والكاتب السياسي. وبالتأكيد لن يحيط هذا الكتاب إحاطة تامة بعالمه، ولن يقدم صورة أكاديمية مفصلة عن الكاتب وأعماله الروائية والمسرحية والشعرية والتشكيلية ومقالاته السياسية. إن هدفي من هذا الكتاب هو تسليط الضوء على المحطات المحورية في حياة جراس وأدبه على نحو كرونولوجي، والاهتمام اهتماما خاصا بالأعمال التي ترجمت إلى العربية، والتمعن في جودة هذه الترجمات، لا سيما ترجمة عمله الأشهر “طبل الصفيح” الذي صدر في ثلاث ترجمات عربية في غضون عامين بعد حصول الكاتب على جائزة نوبل عام 1999. وآمل أن يكون هذا الكتاب محفزا للقارئ على مطالعة أعمال جونتر جراس ليتعرف بشكل مباشر على هذا المبدع متعدد الأوجه. (…)
ولجراس معارك عديدة مع الرقابة والمجتمع المحافظ، ومع القضاء في ألمانيا خلال سنوات الستينيات، بعد أن وجهت له اتهامات بالإباحية والاستهزاء بالكنيسة الكاثوليكية وبأنه يمثل خطرا على الشبيبة، ولهذا خصصت مقالة لهذا الموضوع، كما كتبت مقالة أخرى عن نشاط الكاتب السياسي خلال الحملات الانتخابية التي خاضها لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة فيلي برانت.
وقد أثار كتاب “أثناء تقشير البصلة” (2006) ضجة كبيرة بعد أن اعترف جراس فيه لأول مرة بانتمائه في سن السادسة عشرة إلى فرقة الحماية الخاصة بهتلر المسماة بسلاح الـ”إس إس” التي صُنفت بعد الحرب كمنظة إجرامية. (…) بعد ذلك تجدد الجدل حول جراس في ألمانيا عندما كتب قصيدته الشهيرة “ما ينبغي أن يُقال” التي هاجم فيها إسرائيل التي “تهدد السلام العالمي الهش بطبيعته”. (…) أما آخر مقالات الكتاب فهي مخصصة للحديث عن جراس الشاعر، وهو جانب مجهول لدى كثيرين، كما أن الشعر هو الرفيق الذي لازمَ جراس منذ بداياته الفنية وحتى وفاته. وليس من قبيل الصدفة أن آخر كتاب صدر له بعد وفاته بعنوان “عن الزوال” هو كتاب شعري في المقام الأول.”
ويختتم بقوله:
“هذا الكتاب نافذة صغيرة على عالم كاتبٍ كبير؛ كاتب وجد نفسه منذ صباه في قلب أحداث أعادت تشكيل العالم بأسره. انساق وراء النازية صبيا، وخَبِرَ ضعف الفرد أمام غواية الشر، ثم شارك في حرب عالمية مدمرة، وظل يؤمن حتى اللحظة الأخيرة بالنصر النهائي لقوات هتلر. وبعد أن انتهت الحرب التي فتكت بزملاء له، وبعد أن زالت الغشاوة النازية عن عينيه، أدرك أنه يحيا بالصدفة، وأنه كان شاهدا على أحداث وجرائم بشعة، بل ومشاركا فيها، فكانت الكتابة سبيله لمواجهة الماضي – ماضي بلاده وماضيه الشخصي. هذا ما فعله في مطلع حياته في ثلاثية دانتسج، وظل يفعله حتى كتبَ – “طاعنا في العمر وبآخر قطرات الحبر” – سيرته الذاتية “أثناء تقشير البصلة”. وكلما كان يظن أنه “تغلب” على الماضي، أدرك بعد فترة أن مواجهة الماضي لا تنتهي أبدا، لأنه لا يمضي بشكل تام، ولا ينقضي.