فَرَضَتِ التَّطوُّرَاتُ الرَّاهِنَةُ التِي شَهِدَهَا العَالَمُ عَلَى كَافَةِ المُسْتَوَيَاتِ وَمُخْتَلَفِ الأَصْعِدَةِ الاقتِصَادِيَّةِ مِنْهَا وَالتِّقَنِيَّةِ وَالْمَعْلُومَاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا بُرُوزَ مُعْطَيَاتٍ جَدِيدَةٍ تَتَّسِقُ مَعَ ظُرُوفِ هَذِهِ التَّطَوُّرَاتِ وَإِفْرَازَاتِهَا، حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى هَذِهِ المَرْحَلَةِ (مُجْتَمَعُ المَعْلُومَاتِ العَالَمِيِّ)، وَهْوَ مُجْتَمَعٌ يَتَمَيَّزُ بِالتَّدَفُّقِ الهَائِلِ لِلْمَعْلُومَاتِ عَبْرَالعَالَمِ، مُتَجَـاوِزاً الحُـدُودَ وَالْحَوَاجِزَ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّابِـقِ تَتَحَكَّـمُ بِشَكْـلٍ أَوْ بِآخَـرٍ فِي تَدَفُّـقِ المَعْلُـومَـاتِ وَتَدَاوُلِهَا، وَيَرَى الخُبَرَاءُ أَنَّهُ يُمكنُ استغـلالُ هَـذَا المُجتمـعُ في بِنَاء مُجْتَمَـعٍ مُعَـاصِـرٍ، مُغَـايِرٍ تَمَـاماً لِسَـوَابِقِـهِ، هُـوَ “مُجْتَمَـعُ المَعْـرِفَةِ”، وَفِي تَمْكِينِ الدُّوَلِ النَّامِيَةِ مِنْ بِنَاءِ نمُـوذجِهَـا الخَاصِّ بِهَا، وَهَـذَا بِطَبِيعَةِ الحَـالِ يُعْتَبَرُعَـمَلاً ليس بالسَّهْـلِ؛ عَلَى اعْتِبَارِأنَّهُ يتطلبُ مِنْ مِثْلِ هَـذِهِ الدُّوَلِ الاسْتِفـادَةَ مِنَ المَــوَارِدِ وَالإِمْكَانِيَّاتِ التِي تُتِيحُهَا تكنُولوجيا المَعْلُومَـاتِ والاتِّصَـالاَتِ، لِتَضْييـِقِ الفَجْــوَةِ المَعْـرِفِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدُّوَلِ المُتَقَـدِّمَةِ.
وَإِذَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ فِي حَدِّ ذَاتِهَا قُـوَّةٌ ـ كَمَا يَقُولُ فرنسيس بيكون ـ فَإِنَّ قُوَّةَ مُجْتَمَعِ المَعْـرِفَةِ تَكْمُنُ فِي كَوْنِهِ يَقُومُ عَلَى اسْتِغْـلاَلِ المَعْـرِفَةِ كَأَهَـمِّ مَوْرِدٍ مِنْ مَوَارِدِ تَنْمِيَةِ كَافَةِ القِطَاعَاتِ فِي أَيِّ مُجْتَمَعٍ، وَالأَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ أّنَّ مُجْتَمَعَ المَعْـرِفَةِ يَتَجَاوَزُ مَسْأَلَةَ النَّفَاذِ إِلَى المَعْلُومَاتِ وَإِتَاحَتِهَا لِلْجَمِيـعِ، إِلَى تَحْوِيلِهَا إلى “مَـوَارِدَ مَلْمُـوسَـة” مِنَ المَعَـارِفِ النَّظَـرِيَّةِ وَالتَّطْبِيقِيَّةِ وَالأَسَـالِيبِ الهَنـْدَسِيَّةِ وَالتكنـولوجِيَّةِ وَالتَّنْظِيمِيَّةِ التِي تُسْهِمُ بصُـورَةٍ مُبَاشِرَةٍ في التنمية المُستـدامة للمُجْتَمَعِ، وَتَضْمَنُ بِالتـَّالِي تَـوْفـِيَر الإِحْتِيَـاجَاتِ الضَّـرُورِيَّةِ لِلْجَــمِيـعِ.
بَيْدَ أَنَّ السُّؤَالَ الذِي يَطْرَحُ نَفْسَهُ فِي هَذَا الجَانِبِ ـ وَعَلَى صَعِيدِ وَطَنِنَا العَرَبِيِّ ـ يَتَعَلَّقُ بِمَاهِيَّةِ العَنَاصِرِأَوْالشُّرُوطِ الوَاجِبِ تَوَافُرُهَـا لِخَلْقِ “مُجْتَمَعِ المَعْرِفَةِ العَرَبِيِّ” الذِي نَطْمَـحُ إِلَيْهِ، وَيُمْكِنُ القَوْلُ فِي هَذَا الصَّدَدِ أنَّهُ إِذَا كَانَ مُجْتَمَعُ المَعْرِفَةِ يُشَكِّلُ نَقْلَةً مَرْحَلِيَّةً عَلَى سُلَّمِ التَّطَوُّرِ فَإِنَّ الشُّـرُوطَ وَالعَنَاصِـرَ الوَاجِبَ تَوَفُّرُهَا لإقامَتِهِ تُولَـدُ مِنْ رَحِمِ المُجْتَمَعِ التقليدي، وَهْيَ مِنَ التَّعَـدُّدِ وَ الاتِّسَـاعِ عَلَى مَدَى يكادُ يشملُ جميع جَوَانِبِ المنظُومَةِ المُجتمَعِيَّةِ بكُل مُكوناتها (الاقتصاديَّة والتعليميَّة والقِيَمِيَّة والتكنُولوجيَّة والإعلاميَّة إلخ..)، وبالتالي تَبْرُزُ لَنَا تلك الشُّرُوطُ إنطلاقاً من تلك المُكوِّنَاتِ وَالتِي مِنْهَا :عَدَمُ إحتكارالمَعْرِفَةِ وَتسْهِيلُ تَدَاوُلِ المَعْلُومَاتِ وَتطويرالنُّظُم التَّعليميَّة بكُل عَنَاصِرِهَا، وَتَوْطِينِ التَّقْنِيَةِ، وَدعْمِ مَسِيرَةِ البَحْثِ العِلْمِي (عَلَى صَعِيدِ الإِنْجَازِوَالنَّشْرِوَالتَّبَادُلِ مَعَ الخِبْرَاتِ البَحْثِيَّةِ الأخْرَى فِي العَالَمِ)، وَوُجُوبِ المُشاركة الجَمَاعيَّة فِي عَمَلِيَّةِ التنمِيَةِ وَتَطْوِيرِ المُجْتَمَـعِ، بالإضَافَةِ إلَى تَوْزِيـعِ الأَدْوَارِبَيْنَ القِطَاعِ العَام وَالقِطَاعِ الخاصِ وَمُؤَسَّسَاتِ المُجْتَمَعِ المَدَنِي، وَيَتَطَلَّبُ ذَلِكَ بطبيعَةِ الحَالِ تَضَافُرَ الجُهُـودِ مِنْ قِبَلِ كَافةِ المُؤسَّسَاتِ الثقافيَّةِ وَالتربَوِيَّةِ وَالإِعْلاَمِيَّة وغيرها لإحْدَاثِ تلك النقـلةِ المَطْلُـوبَةِ إلى مُجْتَمَـعِ المَعْـرِفَةِ فِي منطقتِنَا العَـرَبيّـَةِ.