من أعمال التشكيلية فتحية الجروشي
طيوب النص

عَنِ الشِّعْرِ .. ( الجزء الأوَّل )

Fathia_Jeroshi (7)

* يَسِيرُ فَتَتْبَعُهُ الْفَرَاشَاتُ، وَتُظَلِّلُهُ الْحَمَائِمُ وَالْعَصَافِيرُ، يَتْلُو عَلَى مَسَامِعِ الْحُقُولِ أَنَاشِيدَ الْخِصْبِ، وَمَوَاوِيلَ الإِينَاقِ، وَيُمْلِي عَلَى الْكَوْنِ تَرَاتِيلَ الْحَيَاةِ الْمُقَدَّسَةَ، فَإِنْ لم يَكُنْ نَبِيًّا فَهْوَ شَاعِرٌ..!

* الرَّجُلُ المُرْتَبِكُ .. الْمُتَعَرِّقُ عِطْرًا .. الْمُنْتَفِخُ الأَعْمَاقِ .. الْمُضَاءُ الْجَوَانِحِ مِثْلَ نَهَارٍ .. الْمُشْتَعِلُ أَبَدًا كَقَلْبِ بُرْكَانٍ .. هوَ شَاعِرٌ حَامِلٌ بِقَصِيدَةٍ ..

* الشُّعَرَاءُ كَثِيرُونَ .. الْمُجِيدُونَ مِنْهُم قَلِيلُونَ .. لَكِنَّ السَّيِّئِينَ الْمُصَدِّرِينَ الْوَجَعَ وَالْقَرَفَ وَالضَّجَرَ وَالْبُؤْسَ أَكْثَرُ مِنَ الْهَمِّ عَلَى قَلْبِ الشَّقِيِّ، أَمَّا الشَّاعِرُ الصَّادِقُ، صَاحِبُ التَّجْرِبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَهْوَ من يَجْعَلُ شِعْرَهُ جَوَازَ مُرُورٍ لأَعْمَاقِ النَّاسِ.

* أَنَا لا أَحْتَفِي بالشَّاعِرِ – عَادَةً – بِقَدْرِ مَا أَحْتَفِي بِالْقَصِيدَةِ .. وَأَنْحَازُ لِلنَّصِّ لا لِلْقَائِلِ..

* الدِّيوَانُ الَّذِي تَأَبَّطَ قَصَائِدَهُ وَنَامَ .. صَحَا آخِرَ الشَّوْقِ مُوَزِّعًا نَوَافِيرَ الشَّذَا .. مُدَشِّنًا حُقُولَ الْعِطْرِ الزَّكِيِّ..

* لَيْسَ ثَمَّةَ ثَرْوَةٌ فِي وَطَنٍ مَا، أَغْلَى مِنْ شَاعِرٍ يُزَيِّنُ وَجْهَهُ .. وَيُبَارِكُ شَمْسَهُ وَهْيَ تُغَازِلُنَا كُلَّ صَبَاحٍ ..

* أَنَا، الشَّاعِرَ، أَزْعُمُ أَنِّي عَرِيسُ القَصَائِدِ الأَبْكَارِ .. أُرَاوِدُهُنَّ عَنْ طَزَاجَةِ الْمَعْنَى، وَعُذْرِيَّةِ الْفِكْرَةِ .. وَلا أَتَزَوَّجَ غَيْرَ خَيبَةِ البَيَانِ في مِحْضَنِ اللُّغَةِ الْبَكْمَاءِ.

* أُفَاجِئُ الْقَصِيدَةَ من بَابِهَا السِّرِّيِّ مِثْلَ سَارِقٍ لأَلْثُمَ ثَغْرَهَا عَلَى حِينِ لَهْفَةٍ .. ثُمَّ أَقْفِزُ مِنْ نَوَافِذِ السُّؤَالِ نَافِذًا بِرُجُولَتِي.

* مُتَأَبِّطًا دَهْشَتِي، أُفْغِرُ لِلْقَصَائدِ قَلْبِي، رَاجِيًا أَنْ تُبَلِّلَهُ بِرِيقِ مَبَاهِجِهَا ..

* سَتُمْطِرُ الْقَصِيدَةُ فِي صَدْرِي .. فَازْخَرِي يَا غُيُومُ بِالرُّعُودِ .. وَرُشِّي لَيْلَتِي بِزُهُورِ الْبُرُوقِ.

* لَوْ أَنَّنِي أَعْرِفُ مَوْلِدَ الْقَصَائِدِ لأَقَمْتُ لَهَا أَعْرَاسًا تَلِيقُ بِفَخَامَتِهَا.

* أُفَسِّحُ الْقَصَائِدَ الْكَسْلَى فِي قَلْبِي لِتُدْرِكَ فَسَاحَةَ الْمَكَانِ الَّذِي سَتَبْنِي فِيهِ بَيْتَهَا.

* الشَّاعِرُ الصَّدُوقُ يُرَطِّبُ بِكَلِمَاتِهِ كَبِدَ الْوَقْتِ، وَيُمَسِّدُ كَتِفَ اللَّحَظَاتِ الْمَذْعُورَةِ.. وَيَمْسَحُ بِأَنَامِلِهِ السِّحْرِيَّةِ جَبْهَةَ الْمَعَانِي .. وَيَبْتَدِرُ انْبِعَاثَ الرَّبِيعِ فِي كُلِّ الْمَوَاسِمِ .. وَيَجْهَرُ بِالْجَمَالِ فِي وَجْهِ الْقُبْحِ وَالْبَشَاعَةِ ..

* قِمَّةُ الْبُؤسِ أَنَّ تُولَدَ حَسَّاسًا .. شَاعِرًا ..

* رَتِّبْ صَحْوِي أَيُّهَا الْفَجْرُ، أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ لِلِقَاءِ الصَّبَاحِ أَنِيقًا كَقَلْبِ شَاعِرٍ.

* مُتَحَيِّنًا الْقَصِيدَةَ الْعَصِيَّةَ أَنَامُ أَنِيقًا مُعَطَّرًا مُبْتَسِمًا، عَلَّهَا تَخْطُرُ نَحْوِي عَلَى رُؤُوسِ أَحْلامِهَا كَمَا تَشْتَهِي أَحْلامِي.

* هَذِهِ أَصَابِعِي .. فَحُطِّي يَا عَصَافِيرَ الْقَصَائِدِ جَذْلَى.

* أَكْتُبُ الْقَصِيدَةَ رَاكِضًا لِتَلْهَثَ الْحُرُوفُ مَعِي ..

* إِنَّ أَحْلَى مَا فِي الشِّعْرِ تَمَرُّدُهُ وَثَوْرَتُهُ وَعُنْفَوَانُهُ .. وَخُرُوجُهُ عَنِ الْمَأْلُوفِ .. وَتَحَرُّرُهُ مِنِ السَّائِدِ الْمُمِلِّ .. وَمُفَارَقَاتُهُ بِمُرَاوَغَةِ الْمُتُوَقَّعِ مِنْهُ إِلَى أَبْعَدِ مِمَّا يُتَوَقَّعُ ..

* لا يَشِيخُ مَنْ يَسْكُنُ أَعْمَاقَهُ طِفْلٌ .. لِذَلِكَ تَبْقَى قُلُوبُ الشُّعَرَاءِ خَضْرَاءَ، وَارِفَةَ الْمَحَبَّةِ.

* كُلَّمَا سَكَنَ قَلْبُ شَاعِرٍ نَهَضَتْ شَمْسٌ .. وَكُلَّمَا تَوَقَّفَتْ نَبْضَةُ عَاشِقٍ بَزغَتْ حَدِيقَةٌ .. كُلَّمَا هَدَأَتْ أَنْفَاسُ وَطَنِيٍّ صَدُوقٍ هَبَّتِ الْجَنَّاتُ لِعِنَاقِهَا، كُلَّمَا هَمَدَتْ قَصِيدَةٌ صَادِقَةٌ تَكَوَّنَ وَطَنٌ من طُهْرٍ وَأَحْلامٍ وَتَجَلٍّ .. وكُلَّمَا مَاتَتْ كَلِمَةٌ نَظِيفَةٌ اِنتفَضَتْ عَوَاصِفُ وَبَرَاكِينُ.

* يَظَلُّ الشَّاعِرُ مُتَوَرِّطًا أَبَدًا فِي الْجَحِيمِ الْحَمِيمِ .. مُشْتَعِلاً بِقَصَائدِهِ .. مُسْتَنِيرًا بِضَوْئِهَا .. مُسْتَحِمًّا بِعِطْرِهَا..

* أَبْوَابُ الْحَيَاةِ لا تُقْفَلُ فِي وَجْهِ الشَّاعِرِ أَبَدًا؛ إِنَّهُ يَفْتَحُ أَلْفَ بَابٍ كُلَّمَا أُوصِدَ بَابٌ.

* الشَّاعِرُ سَفِيرٌ فَوْقَ الْعَادَةِ .. سَفِيرٌ للأَعْمَاقِ الْمُسْتَثَارَةِ الْمُسْتَفَزَّةِ .. لِذَلِكَ نَهْتُفُ مِنْ أَعْمَاقِنَا مُتَعَجِّبِينَ كُلَّمَا مَسَّتْ كَلِمَاتُ شَاعِرٍ مَا شِغَافَنَا .. حِينَمَا تَضَعُ كَلِمَاتُهُ الآسِيَةُ أَصَابِعَهَا عَلَى الْجُرْحِ الْمُسْتَتِرِ فِينَا فَتُوَاسِيهِ .. تُسْكِتُ أَلْسِنَةَ الْوَجَعِ فِيهِ .. تُغَنِّي عَلَى مَسَامعِ أَلمِهِ أُغْنِيَاتٍ طِفْلِيَّةً مُنَوِّمَةً .. الشِّعْرُ مُخَدِّرٌ وِجْدَانِيٌّ سِحْرِيٌّ ..

* تَعَطَّرَ الْقَلْمُ .. اِسْتَحَمَّ بالنُّورِ .. ثُمَّ طَلَبَ مِنِّي أَنْ أَبْدَأَ نَسْجَ الْقَصِيدَةِ .

* مَطْلَعُ الْقَصِيدَةِ مَخْرَجٌ لِلرُّوحِ .. وَمَخْرَجُهَا مِيلادٌ جَدِيدٌ ..

_________________________________

#من شذراتي عنِ الشعر الواردة في كتبي الشذريَّة.

* حدث في مثل هذا القلب ..

* ربيعٌ على جناحي فراشة ..

* لذاذاتٌ على شفة الرحيقِ..

* مفخَّخٌ الهواء بكِ.

 

مقالات ذات علاقة

عدد جديد من مجلة المكتبات والمعلومات

المشرف العام

الرضوخ من جديد

فيروز العوكلي

موقع بلد الطيوب يصل 10000 منشور

المشرف العام

اترك تعليق