من أعمال الفنان محمد الشريف.
طيوب النص

لَكِنَّ اللهَ يُحِبُّنِي ..!!

Mohammad_Esharif (1)


( 1 )

” … لَكِنَّ اللهَ يُحِبُّنِي..!! ”

تَوَهَّمَهَا ذلكَ الكائنُ المَخدوعُ بِهِ .. اِستقرَّتْ في تفكيرِهِ كما تسكنُ فكرةٌ رعناءُ تفكيرًا مُشَوَّشًا .. كما تحتلُّ الأفكارُ البلهاءُ عقلاً مرتبكًا .. ثمَّ فجأةً؛ وعلى نحوٍ مفزعٍ، يكتشفُ ذلكَ الكائنُ الموهومُ أَنَّهُ مجرَّدُ نقطةٍ قزمةٍ شديدَةِ الضَّآلَةِ كبزقةِ بقَّةٍ.. !!

( 2 )

” لكنَّ اللهَ يحبُّني ..!! ”

بملابسي الجديدَةِ الفاخرَةِ .. وسيَّارتي الفارهَةِ .. بأموالي الطَّائلَةِ، وأملاكي الكثيرَةِ .. بِجُثَّتي الضَّخْمَةِ التي تزنُ 120 كيلو جرامًا .. كُنْتُ مُؤَهَّلاً وَفقَ معاييرِ الوسوسَةِ الشَّيطانيَّةِ لأتكبَّرَ على خلقِ اللَّهِ .. لأن أغدوَ كائنًا آخرَ مختلفًا تمامًا عن هؤلاءِ البَشَرِ المُعْدَمِينِ، أو شبهِ المُعْدَمِينِ، هؤلاءِ الفقراءِ البائسينَ الَّذينَ لا يملكون َملابسَ جديدَةً فاخرةً كملابسي.. ولا سيَّاراتٍ كسيَّارتي الفَارِهَةِ .. ولا أموالاً طائلةً كأموالي .. ولا أملاكًا كثيرةً كأملاكي .. ولا أجسادًا عملاقةً كجثَّتي الضَّخمَةِ التي تزن 120 كيلو جرامًا ..

( 3 )

لكنَّ اللهَ يُحِبُّني ..!! فقد أرسلَ لي نسرًا ضخمًا بجناحينِ كبيرينِ، ومنقارٍ صلبٍ معقوفٍ غَمَسَهُ وَسْطَ رأسي مثلَ فكرةٍ، وحَمَلَنِي طائرًا بي في الفضَاءِ البعيدِ البعيدِ .. !!

( 4 )

وعلى قِمَّةٍ عاليَةٍ ألقاني واختفى .. أخذني الذُّهُولُ وأنا أنظرُ إلى الفَرَاغِ المَهُولِ بينَ السَّمَاءِ والأَرْضِ .. أنا الآنَ مُعَلَّقٌ بينهما .. خائفٌ ومندهشٌ جِدًّا .. تبَدُو السَّمَاءُ أقربَ إليَّ منَ الأرضِ .. أنظرُ إلى الأرضِ حيثُ ترَكْتُ ثروتي .. فلم يبدُ لي أنَّهَا قد نَقصَتْ شيئًا .. ولا شيءَ قد تغيَّرَ فيها .. لم تتوقَّفِ الحَيَاةُ، ولم يشعرْ بغيَابِي أحدٌ .. لم يفتقدْنِي أحدٌ .. ولا سَأَلَ أَحَدٌ عنِّي ..!

أُديمُ النَّظرَ إلى الأرضِ .. إلى مكاني عليها .. فلا أراهُ .. ولا أراني .. لا أَثَرَ لي .. كَأَنْ لم يَكُنْ ثَمَّةَ وجودٌ لذلكِ الكائنِ ذي الثَّرواتِ الهائلةِ، والأملاكِ الكثيرةِ .. ذاكَ المخلوقِ الَّذِي يزنُ 120 كيلو جرامًا، قبلَ أن يغدوَ مجرَّدَ نقطةٍ قزمةٍ، شديدَةِ الضَّآلَةِ كبزقةِ بقَّةٍ ..!!

( 5 )

على الرُّغْمِ من ضَخَامَتِي وثرائي؛ تَأَكَّدَ لي أَنَّنِي لا أَشْغَلُ حَيِّزًا مُهِمًّا على ذلكَ الكوكبِ الكُرَوِيِّ المُسَمَّى بالأرضِ .. تَيَقَّنْتُ أَنَّنِي مَحْضُ جُثَّةٍ تزنُ 120 كيلو جرامًا؛ مُثْبَّتٌ أَعْلاهَا رأسٌ يمكنُ أن يبتلِعَهُ نَسْرٌ ضَخْمٌ ليطيرَ بهِ عاليًا وَيُلْقِيَهُ على قِمَّةٍ شَاهِقَةٍ .. وَأَنَّهُ حينَ يشعرُ بالذُّهُولِ والوحَدَةِ والغُرْبَةِ، يَتَيَقَّنُ من ضَآلَتِهِ، وبعينيهِ المُثْبَتَتَينِ فِي الرَّأسِ ذَاتِهِ، وبالرَّأسِ المُرْكَزِ في الجُثَّةِ نفسِهَا، الجُثَّةِ التي تزنُ 120 كيلو جرامًا، وتحتكرُ كائنًا مُغْتَرًّا بِهِ، ذلكَ الكَائِنُ نفسُهُ ينظرُ إليهِ من عُلُوِّهِ الشَّاهِقِ فيراهُ مجرَّدَ نقطةٍ قزمةٍ، شديدَةِ الضَّآلَةِ كبزقةِ بقَّةٍ .. ويتوَّهمُ أنَّ اللهَ يُحِبُّهُ لِمُجَرَّدِ أن جعلَهُ ضخمًا، وَوَهَبَهُ ملابِسَ فَاخِرَةً، وَدُورًا فَخْمَةً، وَأَمْوالاً طَائِلَة،ً وأملاكًا كثيرةً …. و .. و.. و..

( 6 )

تَحْتَجُّ الجُثَّةُ في عُلُوِّهَا السَّحِيقِ .. تَقْفِزُ في الفَرَاغِ المَهُولِ .. تَهْوِي.. تَهْبِطُ.. تسقطُ .. تسقطُ .. ترتطمُ بالأرضِ حيثُ الأملاكُ والدُّورُ والأَمْوَالُ .. تُصْدِرُ صَوْتًا مُزعِجًا يُشْبِهُ تمامًا انفجارَ جثَّةٍ ضخمةٍ تزنُ 120 كيلو جرامًا .. تبدوَ للنَّاظِرِ إليها من أعلى إلى أسفلِ والعكسِ، أَنَّها مُجَرَّدُ نقطةٍ قزمةٍ، شديدَةِ الضَّآلَةِ كبزقةِ بقَّةٍ ..!!

سلطان /25-7-2014

مقالات ذات علاقة

العسلُ الذي يقطعُ كلَّ حديثٍ!؟

جمعة الفاخري

لا تُعانقْني..

عاشور حمد عثمان

أتحسس كتفي

ميسون صالح

اترك تعليق