نشأ القائد تاكفاريناس في أسرة نبيلة ذات نفوذ كبير، وينتمي لقبيلة «موسالامس» وجنِّد مساعدًا في الجيش الروماني في سن 16 عامًا برتبة مساعد، واكتسب أثناء العمل تجربة عسكرية كبيرة، لكنه فرَّ من الجندية بعد أنْ رأى ظلم الرومان الذي كان يُمارَس ضد الأمازيغ وتَلَمَّس طغيانهم واستبدادهم المطلق، فعيِّـن من قبل أتباعه ومحبيه قائدًا لقبائل «المزاملة» سنة 17م.
فشكَّل منها جيشًا نظاميًّا من المشاة والفرسان على الطريقة الرومانية في تنظيم الجيوش، وفَقَدَ عمه وأخاه وابنه في الحروب التي خاضها ضد الجيش الروماني في شمال أفريقيا.
دامت ثورته سبع سنوات، ثم انهزم قتيلاً في منطقة «سور الغزلان» في الجزائر، وتعلَّم تاكفاريناس كثيرًا من خطط الجيش الروماني واستراتيجياته في توجيه الحروب والمعارك، كما اطلع على أسلحته وما يملكه من عدة مادية وبشرية، وما يتسم به هذا الجيش من نقاط الضعف التي يمكن استغلالها في توجيه الضربات القاضية إليه أثناء اشتداد المواجهات والمعارك الحامية الوطيس.
بطل «نوميديا» وأهم قادتها
يعد تاكفاريناس من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية قديمًا، وقد أظهر شجاعة كبيرة في مواجهة المحتل الروماني، وقد لقنه درسًا لا يُنسى في البطولة والمقاومة الشرسة، وهو ما زال محفورًا في ذاكرة تاريخ الإمبراطورية الرومانية.
كما أخَّرت مقاومته الشعبية احتلال «تامازغا» من قبل الرومان لمدة طويلة تربو على عقد من الزمن، ولم يتمكَّن الرومان من احتلال بعض أجزاء أفريقيا الشمالية إلا بعد مقتل تاكفاريناس في ساحة الحرب.
قائد عسكري برتبة مقاتل
تبَّنى تاكفاريناس عدة طرق في المواجهة العسكري، ولاسيما الجمع بين الخطة النظامية وحرب العصابات وتوحيد القبائل الأمازيغية في إطار تحالف مشترك واستغلال الظروف العصيبة التي كانت تمرُّ بها الحكومة الرومانية لضربها ضربات موجعة، وبالتالي لم يقتصر في تحالفه على قبائل «الموسلام» بل انفتح على القبائل الصحراوية وتحالف مع «الموريين»، أي مع قوات «موريطانيا الطنجية» التي كان يقودها مازيبا.
أما الحاكم يوبا الثاني ملك «موريطانيا الطنجية» فقد كان عميلاً للرومان ومتحالفًا مع الحكومة القيصرية، لذلك لم يستجب له الشعب وانساق وراء القائد مازيبا الثائر، دون أنْ ننسى قبائل «الكينيتيين» الشجعان الذين كانوا يوجدون في الجنوب الشرقي للقبائل «الموسولامية» وقد تحالفوا، عن اختيار وطواعية، مع القائد البطل تاكفاريناس.
هَاجَمَ تاكفاريناس حصون الجيش الروماني وقلاعه وهدَّد مدينة «تهالة»، وطالب الرومان بأراضٍ خصبة لزراعتها أو للرعي فيها، لكن الرومان استمالوا بعض أتباع تاكفاريناس ووعدوهم بالعفو وبأجود الأراضي لزراعتها، وهكذا دب الشقاق في جيش تاكفاريناس وانتشرت الخيانة، وفي جهة مقابلة سارعت الحكومة الرومانية إلى توشيح كل القادة العسكريين الذين يصدون بعنف هجمات تاكفاريناس ووضعوا تماثيل شاهدة على إنجازاتهم.
وقال تاكيتوس ساخرًا بذلك: «يوجد في روما ثلاثة تماثيل متوجَّة، وتاكفاريناس لا زال حرًّا طليقًا في أفريقيا».
من إنجازاته
بعد أنْ صادر الأراضي التي كانت تحت سيطرة القبائل التي كانت تُعلن ولاءها لروما، استغل صادراتها في تمويل مشروع ترصيف مدينة «لبدة»، في الجهة المقابلة للمسرح واحتفاءً بهذه المناسبة بنى قوسًا للإمبراطور تيبيريوس، حيث ذُكر ذلك في النقوش الموجودة على قوس داخل المدينة.
________________