حفيفُ الأشجار، وصوت الرياح أيقظه من غفلته.
تفرس وجوه من كانوا عه خلف السور، فحزم كلّ حقائب الشوق لتسقط الذكريات بين كفّيه واحدة فواحدة، بينما ثلاثة حروفٍ لملمت نفسها وارتجَأت دفء قلبه، فرقصت وغنت والرياح معها بأصواتها العالية (و ط ن … وطن).
وميض البرق أفزعه، شلّ تفكيره برهة، صمت الليل أيقظه من سكينته المؤقته فصرخ بأعلى صوته:
– أيها النائمون..
– أنا من خلعتُ موتي من بين ضلوعي، الأيام حملت نعشي، وكساني الثرى من أخمص قدمي حتى ….
– أين أنت مني يا درب الشهداء.
انتزع قلبه من حناياه، نحت مكانه خارطة الوطن، لينسى ذاكرة السنين القابعة داخله، تأوه متألماً محدثاً نفسه:
– إنهم أجهضوا كل شواهدنا، وفصلوا بيني وبيني، وبيني وبين الأمم، لكنهم لن يفصلوا بيني وبين وطني.
غيث السماء تلفحه فتدثر حروف وطنه، وأردك أن الأرض لا تقبر الجُثث.