-مهداة إلى الشاعر الليبي عبدالسلام العجيلي-
بمحطة القضبان
لا غيمة تحوم تمرر تذكرة البلل
الهدير قارس..
دس صفعاته….. بجيب الشراع
تتسكع بنا الريح في لجة ينسل منها العواء
إنا هنا بقارورة مائجة لا ينتهي بها سؤال الغرق
إلى بر الجواب ———-
آه… لو يقترب الشاطئ ويتهشم عنا الزجاج!!
لفاح منا الزهر والورد
أيها الملبد..
من قرارة الأحداق….. أراك في ملح العيون
يعتصرك شلال القلق
اصعد مع خيط الرذاذ.. إلى سقف غزارة….
في الرهام الحبلى اعقد مشيمة
ناوشها عناقيد الارتواء.. وخضها في قحطنا وشوشة السكون
عربدة صهيل
من غيمة الوادي المهيب تهادى
واعد شفاه القصيدة عند ثغر الخرير
كي تعود سواقي المدينة للرمان.. للريحان العتيق
كي تفوح المقهى تحت القوس العريق
بالبن وشاي النعناع..
بربك تمل… درنة* بنت ايراسا* الخصيبة
صورها الخابية معتقة بصبر الحوائط
عقود التين على جِيد اللذاذة
وفي صرر الجدات حكايا الكفوف
عن ضفاف الغدير و شعاب المسيل
صفير سكة المحراث على خط الشعير
لفحات العشايا من شباك مخلخلة
ظل ليمون الشتاء وزهر اللوز بصحن الدار تسابيح عبير
حمرة خدود العذارى وراء حبل الغسيل
حب توارى في ستر الخجل مكنون
عن أحلام الأنامل ونسج عباءات الوسن
فوح الحطب في قِرةَّ الليالي مسك منام
وحيث تسندت كراسي الزقاق تستقطر مطر الغسق
والياسمينة تطوي ورقها الأخير مراكب للرحيل
تواسي وريدات القرنفل بزخة ندى
سامحيهم يا جارة الجدار…. لم تعد لديهم جيوب تتزين
معاطفهم تخرمها أشواك الفراغ……
وذاك الشيخ عند دكة المقيل
ينشر في الشمس عظامه وصفحات مجعدة من زمانه النضر
يروي للصبيان بصوت خفيض
كيف سحق التبهت لوحاته القديمة؟..
كيف ابتلعت الوحشة بستان صباه وشاربه الطويل؟
يتمتم… يتنهد… يقول كنا وكانت
امتقعت المسارب بدم أصابعي
شققت فيها بكدي عتبات تثب منها شياهي
تلك هي التلال تلقاء وجوهنا لم تغادر
ترمي ذؤاباتها الخضراء بصدر الطين الممدد على أحشاف البحر
كأنه الأمس البعيد… كأني كما كنت أراها ولا أراه
في هدوء ترمق الشمس خطو الرذاذ الوئيد
من على كتف غمامة شاردة….
ووجوه المجيء تمر بالباحة البكر
حيث يؤوب ركب الحياة…
مع كوب الحليب
مسافر وبحار وخباز
إصطفاق أرجل في غدير يرن
وأيادي يلسعها برد الغبش
تطلب من الصبح فناجين دافئة
وحظ من ذهب النهار
من بعيد يطوي المد شراع
للنوارس نافضات الوسن نحو المدى
فيغمض البر جفن الفنار
لصارية تضرب في الشط ظلا يهيم
سندباد الأجاج وطأت قدماه مرفأ العسل
عند ماء السبيل يغسل بساطه المالحة
والشباك سادرات فوق الرمال
تطرح غلال الموج
وحسرتاه……….
لكم أخشاه ذاك الغريم اللدود
هو الضجر يهدر شؤمه في رعود ترتعش
لن يعود الغيم والماء الزلال
مادام للريح مزمار نفوذ ونقود من غبار
تنفقها بقريتنا الخاوية
والليل مقرور في لحاف طويل
فوق تابوت النهار
من يصحو قبل من؟… كابوس أم حلم؟!
يا صديقي بشعاب مثقوبة
لا تزغرد بنيات البئر
الدلاء في إسارها
ينهشها الصدى
فقط أنت يلمع فيك الماء والريش
كتلك الدر المفضضة على مد الجناح
أراك تهطل تهتانا بلا حبل
___________________________________________________________
• درنة: مدينة بشرق ليبيا على الحافة الشرقية للجبل الأخضر , سكنها مهاجرين من الأندلس تشتهر بعمارتها الليبية القديمة وحب أهلها للفن والثقافة ولأهلها نشاطات حضرية من تجارة وصناعات تقليدية وزراعة لبساتين الفواكه والخضار وصيد الأسماك وتربية النحل بوديانها بين التلال التي تحوطها ,بها شلال مائي مشهور باسمها.وقعت على شواطئها معركة شهيرة للأسطول الليبي في العهد القرمانلي مع الأسطول الأمريكي أسرت فيها السفينة الأمريكية فيلادلفيا.
• ايراسا: اسم إغريقي لإقليم جغرافي وتاريخي صغير بشرق ليبيا بين مارماريكا وسيريناياكا, تعد درنة حاضرته الرئيسة وكانت تعرف باسم دارنس في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس كانت درنة عاصمة ليبيا العليا.