بوابة الوسط
في الجزء الثاني من حواره الشامل مع “بوابة الوسط” يتحدث الفنان التشكيلي الليبي معتوق البوراوي عن رسالته التي يطرحها من خلال أعماله ومدى تأثره بالفن الإسباني مقارنًا إياه بالفن العربي، وموضوعات أخرى تطرق إليها معتوق البوراوي فإلى تفاصيل الحوار.
ما هي الرسالة التي تطرحها أعمالك للآخر المختلف؟
في الحقيقة كفنان تشكيلي دائمًا تعبئتي تتجه نحو تطور البحث، وكفنان تعبيري اتجاهي دائمًا يكون في إطار البحث، وذلك بهدف إيجاد لغة بصرية مشتركة بيننا وبين اللغة الأوروبية، خصوصًا وأن الفن التشكيلي لغة عامة عالمية.
الفن التشكيلي يقرأ في جميع اللغات ولا يقتصر على دولة معينة، وبالتالي ليس كالشعر الذي هو في العادة يحتاج لترجمة كما العلوم الأخرى. فاللوحة هي لوحة إنسانية عالمية دائمًا، سواء كانت في الشرق أو الغرب، تقرأ بزوايا مختلفة، لذلك أحب دائمًا إيجاد هذا التوازن، بين الشرق والغرب، العمل الشرقي محبوب في الغرب، والعمل الغربي محبوب في الشرق، نصل لنتيجة مفادها: أن العمل التشكيلي له علاقة بالحالة الإنسانية المفردة وليس الجمع.. من هنا يُفهم أن رسالتي، رسالة تشكيلية بحتة.
كيف أثر فيك الفن الإسباني؟
لما بدأت الدراسة في جامعة غرناطة، أسست علاقات جيدة ومتينة مع فنانين إسبان على مستوى كبير، فاشتركت معهم في معارض جماعية كبيرة بالمغرب 2005، ودمشق 2007، وفي بعض الأوقات كنت أنظم معارض فردية.
من هنا، فالاحتكاك بالفنانين يعطيك دافع للتعرف على ماهية الفنون التشكيلية الإسبانية، ومثلما نعرف الفنون التشكيلية في هذا البلد مهمة جدًا، لأنها كوّنت خارطة التشكيل في العالم، مثلها مثل فرنسا وهولندا، ذلك أثر تأثيرًا إيجابيًا وكبيرًا عليّ، بالإضافة للدافع الذي قدمه أستاذي “باكو لويس بانكوس” الذي كان يشرف على رسالتي في الدكتوراة، وهو فنان تشكيلي معروف من عائلة تشكيلية لها صيتها، أخوه، وأخته، وأبناء أخيه، وأعمامه، كلهم تشكيليون معروفون.
اهتم بي أستاذي اهتمامًا شخصيًا، وكان له دور كبير معي، أخذ بيدي وأطلعني على أهم المراحل التشكيلية في بلاده، وذلك ما كان له عميق الأثر عليّ، والحقيقة بعدما أنهيت مرحلة الدكتوراة، كان دافعًا كبيرًا أن أقوم بمعارض، من أهمها معرض “أحلامي في غرناطة” الذي نظمته الشهرين الماضيين في الأرجنتين.
ما هي المواضيع التي أثارتك في حركة التشكيل وقررت البحث فيها؟ وإلى ماذا توصلت؟
عقليتنا كدول عربية أو عالم ثالث. فالتشكيل، في أوروبا هو نتاج تراكم من عصر النهضة إلى العصر الحديث، وبالتالي ليس هناك انقطاع في التاريخ. أما نحن، فلازلنا نأخذ التشكيل بالموضوع المفهومي الرمزي، دائمًا نرمز للحب، وللتراث، والشهامة، وللأرض: على الانتماء وعلى العرقية. ولكن الآن في أوروبا، بالذات في القرن العشرين، التشكيل أصبح له خصوصية مفرّغة من الرمزية الهشة، بمعني التشكيل لأجل التشكيل وليس لأجل إظهار قضية معينة.
ولنأخذ على سبيل المثال أعمال فنانين من العراق، وسورية وليبيا، الذين سافروا إلى أوروبا، أو التحقوا بالمدارس الفنيّة التشكيلية الأوروبية، سنجدهم يتطرقون للمعادلة السابقة، الخلو من الرمزية الهشّة، لأن التشكيل الأوروبي يتيح الحرية الكاملة لطرق مواضيع موسّعة، وليس محدّدة بإطار معين.
التشكيل هنا في إسبانيا جدًا مريح وسهل التعامل معه، الأمر الذي أفادني من ناحية الغوص في اللوحة من أجل اللوحة التشكيلية، وليس اللوحة من أجل إظهار قضية معينة تهم المنطقة.
حسنًا.. لو عقدنا مقارنة بين التشكيل في الوطن العربي وفي إسبانيا ما النتيجة التي سنخلص إليها؟
بصفة عامة التشكيل الحديث، بمعنى التشكيل، هو ثقافة حقيقية أوروبية منذ عصر النهضة وحتى الآن، هنا يكمن التراكم التشكيلي عبر القرون التي مضت، حقيقة إن الفنون التي تسود منطقتنا العربية، هي فنون تقليدية، أي لها علاقة بالصنعة، أعطيك مثلاً على هذا التراث: الحروفية العربية “الخط العربي”، والكثير من الفنانيين الليبيين الأوائل، مع بداية قرن العشرين، رسموا الصحراء ورسموا العرس الليبي، رسموا المقتنيات الشعبية، رسموا محيط البيئة.. وهكذا.
ولكن بسبب الانقطاع ليس لدينا كأوروبا؛ عصر نهضة، ثم فنون معاصرة. فالدول التي سميتها لك كإسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا وهولندا كان لهم الدور الأساسي في الترسيخ الحقيقي للمعنى التشكيلي، منذ عصر النهضة وحتى اليوم وما بعد الحداثة.. إلى آخر ذلك.
وهل أسلوبك وتقنياتك في الرسم متأثرين بالحياة والبيئة التي تعيش فيها (إسبانيا)؟
تقنيات الرسم الموجود في لوحاتي كلها تقنيات أوروبية، اكتسبتها من خلال وجودي في إسبانيا، أرسم بجميع مواد التي بالإمكان التحصل إليها، رسمت بالزيتي، وبالمائي، استعملت المائي والقهوة، ورسمت بالحبر الصيني، كما رسمت جميع الأحجام، الصغيرة جدًا، الكبيرة جدًا، الأحجام الكبيرة 10 متر X 5 متر استعملتها في الأرجنتين، بألوان آكريلك على قماش، فبالتالي الخامة والتقنية مهمة، أوروبا وصلت إلى مكان كبير في استعمال التقنيات الحديثة، كل التقنيات هي أوروبية، الخامات التي تصل للرسامين كلها أوروبية، وبالتالي ذلك ينعكس انعكاس مباشر على الفن التشكيلي.
وكيف تستطيع تجسيد الواقع في ليبيا في بيئة انقطعت عنها لوقت طويل ربما؟
الهاجس.. أصولي ليبية، وأنا من مواليد القره بولي، وعلى البحر، هذا كله ينعكس في اللوحة، الألوان الزرقاء، والأفق، كل ذلك من ذاكرة الطفولة.
ما هي السمات التي تتميز بها لوحات وتقنيات معتوق البوراوي؟
كما قلت تراكم تاريخ التشكيل الموجود في أوروبا يساعد الفنان لحد كبير، لذلك حرية الفنان حرية مطلقة في أوروبا، لكن تجربتي الخاصة أني مثلاً أخلق توازنًا بين الفنون التي أحضرها معي من الشرق، وأخلق توازنًا بتقنيات غربية بحتة، بمعنى أن الموضوع الذي أرسمه قد يكون موضوع له علاقة بالشرق، ولكن التقنية والتلوين وطريقة الأداء هي طريقة تتبع مدرسة معينة.
وأي تيار فني تمثله أعمالك؟
بحسب ما كتبه عني النقاد الإسبان، أنتمي للمدارس التعبيرية، أنا في المدرسة متجه نحو المدرسة التعبيرية الموجودة في القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا.
هل لوحاتك تطرح إجابات أم تساؤلات؟
في الحقيقة أعكس قلقًا معينًا في الثورات العربية، عكست دماء مع الطرفين، كنا مع الثورة قلبًا وقالبًا ولكن وقع الموت كان كبيرًا جدًا عليّ، في أعوام 2012، و2013، و2014، كنت بحالة قلق كبيرة جدًا وهذا انعكس على لوحاتي، وبالتالي توج بمعرض سميناه “تأبين للمفقودين” مفقودي الثورات العربية.
شخوص وكائنات البوراوي بلا ملامح ومعالمها مطموسة!.. ما دلالة ذلك؟
هناك معلومة مهمة جدًا، أنا لم أرسم موديلات/ بورتريهات، لم أرسم أشخاص مهمين سياسيين، ولم أرسم نساء، رسمت الشخص الإنسان، وهذا موضوع إنساني.في تجربة الأفارقة كنت أرسم أفارقة من الواقع، عبارة عن أجسام ليست بملامح معينة، ممكن من الحالة الأفريقية كنت أرسم أجسامًا سمراء، وفي الحالة العربية أرسم شخوصًا بيضاء في حالة الموت في حالة الاحتضار، في حالة القبر، في حالة الصعود للسماء.