حوارات

نجاة جملي طرخان… أسمٌ آخر لليبيا – ج1

حاورتها: فاطمة غندور.

ليبيا المستقبل

السيدة_نجاة جملي طرخان

هي احدى الحَوَارِيات، ناهضات الوطن حين كانت الارقام والمُؤشرات تُعلن عن أن بلادهن أفقر بلد في العالم، كن يرين أن ذلك خليق أن يجعلنه بلد الفعل والارادة بأن ينحتن في صخره! للخروج من العُزلة، وقتها انتهجن طريقا صعباً وعصياً اذ مؤثرات اجتماعية فرضها التاريخ والواقع تُلقي بظلالها على شعارات صدحن بها علناً قولا وفعلا: أننا مُشاركات ايضا في صنع هذا الوطن الذي انفك حديثا من قيد الاستعمار وينهض رافعا رأسه وقدماه تترسخان على الارض التي يتمترس فوقها الرجل، كما المرأة صانعة المستقبل… السيدة المربية الفاضلة نجاة جملي طرخان في تاريخها ما يستحق أن تكون نموذجا يحتذى لأجيالنا القادمة، من ذاكرتها النابضة بالحياة نسترجع هذا.

• من هي نجاة جملي طرخان؟

أنا من مواليد 1942 ببنغازي، سكنُنا الأول كعائلة بالمدينة القديمة: بشارع العنيزات بالقرب من سيدي خريبيش والمنارة، ثم بميدان سوق الحوت، وبعدها بميدان الشجرة، وبعد الزواج سكنتُ بشقة بإحدى العمارات الخمسة بشارع صلاح الدين الايوبى المتفرع من شارع عمرو بن العاص و إلى الان، بالنسبة للتحصيل التعليمي فقد درستُ الصف الاول والثانى ابتدائى بالمدرسة النموذجية بالبركة امتداد شارع الاستقلال، والصف الثالث والرابع بمدرسة النصر الابتدائية شارع النصر قرب المنارة (سيدى خريبيش) والصف الخامس والسادس بمدرسة الاميرة قرب ضريح عمر المختار،، وفي المرحلة الابتدائية والإعدادية، اتذكر بعضا من زميلاتي الطالبات: حواء عدنان العنيزى، هنية الكاديكى، زينب بوقعيقيص، نجاة على عبد الله، ريتا فايز حبيب، لليان هلال، خيرية بو قرين، عائشة الطرابلسى، عائشة عبيدة، فتحية زيو، أما المعلمون والمعلمات فمنهم: زاهية حبيب، كمال الجربى، أمباركة الورفلى، نوارة الشريف، افلين بنون، سميحة طوقان، احمد العلام. عبد المجيد قطامش، مرسى سليط. وكنتُ قد درست الاول والثانى اعدادى أتمام الشهادة الاعدادية و الاول والثانى معلمات بمدرسة النصر، هذا المقر بعد ذلك اصبح كلية الحقوق، أما الثالث والرابع معلمات فتلقيت تعليمي فيهما بمدرسة البركة الثانوية للبنات بجانب معسكر الجيش وقريبا من مقر اللجنة الاولمبية، وأتذكر من الطالبات: خديجة ورسنة، فاطمة الفرجانى، فوزية مخلوف، مغلية ابو سيف ياسين، حواء الارناؤوطى، ريتا نوهبيان، امينة بن عامر، أما الاساتذة فمنهم: توفيق عمارة، نجيبة بصيلة، مجيد غنما، عمر الشريف، سعيد شاهين، نيازى مصطفى، ابراهيم دسوقى، عبد الفتاح زمزم، توفيق منيب، محمد مندور. والتحقت بنظام المنازل في المرحلة الثانوية، وحضرت بعض الحصص وخاصة اللغة الفرنسية بالمدرسة الثانوية بنات… ووظيفياً كانت لي ذكريات لا تُنسى مع زميلات العمل بمدرسة (بن عاشور) الإعدادية للبنات بطرابلس فلمدةِ سنتين دراسيتين كنتُ أخصائية اجتماعية، و اذكر مديرة المدرسة السيدة حليمة قرقوم ونائبتها الأخت فاطمة فارس ومن المُدرسات نعيمة بن يزيد، وآمنة الشكشوكى. .وبعض الإخوة الاساتذة (المُدرسين) من مصر، ولي ذكريات أيضا فى العمل بمصرف (الصحارى الرئيسي) بطرابلس لمدة 3 سنوات إخوة وأخوات أفاضل تعلمت منهم الكثير.

• أوراق العائلة

والدي جملي محمد طرخان ولد في مدينة بنغازي عام 1910 وتوفى بها في 26-11-1995 كان قد تدرب على يدي صيدلي ايطالي في مدينة المرج بعد إن انهى دراسته الثانوية باللغة الايطالية، ولثقة الصيدلي الايطالي ببراعته ترك له الصيدلية بعد رحيله، فمارس المهنة بمهارة فائقة لدرجة انه كان يعمل بمفرده في تحضير مخلوطات الأدوية وتركيبها، ولا زالت الاوانى الرخامية التي كان يستعملها موجودة، والدي يُعتبرُ من أوائل الصيادلة في ذلك الوقت، وكان ان فتح صيدلية بمدينة بنغازي، وبعد عدة سنوات صدر قرار رسمي يشترط أن يكون مع كل صاحب صيدلية صيدلي يحمل شهادة دراسية متخصصة ومعتمدة، وقتها الصيادلة ومساعديهم كانوا عرباً أو أجانبَ وقد تدربوا على يديه و اكتسبوا من خبرته الكثير، واتذكر قصة البروفسور الالمانى والذي من شدة إعجابه بمهارة والدي في هذه المهنة قرر إرسال ابنه الصيدلي ليتدرب عنده وقد كان له ذلك، هذا من ناحية المهنة العملية، ومن ناحية اللغات فقد كان والدي يتقن عدة لغات منها الايطالية قراءة وكتابة وحديثا، واليونانية وبعدة لهجات محلية لها، واللغة الارمنية والانجليزية والعبرية، أيضا لوالدي حس موسيقى ممتاز ومرهف ويمتلك عدة آلات موسيقية موجودة لدينا إلى ألان، وهى الكمان والعود والمندولين (تُشبه القيثارة) والاكرديون والاورغ والناي والساكسفون مع إتقانه التام العزف عليها جميعا وخاصة العود والساكسفون اللتين كان يعشقهما، وفى مجال الترحال والسفر كثيرا ما يأخذنا إلى رحلات في كل مناطق بلادنا، وأيضا الرحلات الخارجية عربية وأوربية، إلى جانب ذلك كان رياضيا اى (لعيب) كرة قدم جيد، كان والدي خفيف الظل مرح وأنيق جدا في ملبسه رشيق القوام وكريم إلى ابعد حدود الكرم والشهامة (رحمه الله)، المواقف العظيمة وإعمال الخير لا يمكن إن تسقط بمضي المدة أنها دائما راسخة تدغدغ نبع تفكيرنا لتصبح ذكريات جميلة تتلطف بها الذاكرة، ونتذكر ببساطة وبراءة معيشة إنسان، فوالدي أعطى من عمره الكثير دون إن ينتظر رد الجميل لان إنسانيته تأبى ذلك.. فأعماله الخيرة ومواقفه العظيمة تجاه المحتاجين لاستشاراته الطبية وأدويته العلاجية نابعة من عمق ذاته ومن صميم قلبه العطوف فهي جزء لا يتجزأ من شخصيته المتواضعة وعلاقاته الطيبة الصادقة الحميمة لكل من أهله وأصدقائه و معارفه.أما والدتي  فهي خيرية عبد الجليل العنيزى من مواليد بنغازي عام 1912، والدها كان ضابطاً في الجيش التركي، لذا قضت طفولتها المبكرة بسوريا، ووالدتها أي جدتي تركية، والدتي أجادت القراءة والكتابة وهي شخصية اجتماعية قوية: ثقة بالنفس وثقافة ووعى اجتماعي، كانت كل شيء في حياتنا تربية وتوعية ومتابعة، ساهمت بمجهودات كبيرة في أنشطة الجمعية الخيرية النسائية (وهي التي ستصبح جمعية النهضة النسائية) التي كانت بداية تأسيسها وانبثاق فكرتها في بيتنا، وبحضور صديقاتها الليبيات والعربيات، والدتي أتقنت الحياكة والتطريز حتى أن ملابسنا كلها من عمل يديها إلى إن كبرنا، وهي ايضا طاهية ممتازة أكلاتها لها مذاق خاص ومتنوع، تتقن التحدث باللغة التركية إلى جانب الايطالية واليونانية، تحفظ الكثير من إشعار الأدب الشعبي، حكاياتها مشوقة، دائمة الاطلاع وقراءة القصص الاجتماعية، توفيت رحمها الله في شهر ابريل عام 2004. في جلساتها معي كانت تقول لي بعد أن تحكى لي عن أيام زمانها “فشيت خاطري يا بنيتي وأنتِ بقلبكِ تسمعيني ونشوف في الدموع مالية عيونك“… واليوم نا نقوللها:

“اشتاق خاطري يا امى لميعادك
ومحتاجة لك تسمعيني
راني مش طايقه بعادك
وينك يا امى
تشوفيني في أخر عمري
ندور علي من نشكيله
ونفش خاطري
على صدره ونبكيله

اختى ليلى مواليد بنغازي 1940 كلية الآداب قسم فلسفة وعلم نفس جامعة القاهرة، أخر وظيفة لها رئيسة قسم التعليم الاساسى، تدرجت في الوظيفة بداية كمُعلمة، ثم أخصائية اجتماعية فنائبة مديرة المدرسة الثانوية، ترأست قسم تعليم البنات، وترأست قسم رياض الأطفال إلى جانب قيامها بأنشطة اجتماعية وسياسية أخرى، أما اختى فاطمة فهي من مواليد بنغازي 1945 سنة ثانية آداب جامعة بنغازي (قسم اللغة الانجليزية) متزوجة ولها 3 بنات وولدين من ضمن مُؤسسات حركة المرشدات توفى زوجها وقد تحملت بعده مسؤولية تربية أطفالها إلى أن تزوجوا جميعهم ولها ألان 15 حفيد، تتقن التحدث باللغة الانجليزية، أخى عصام من مواليد بنغازي عام 1950، وهو أستاذ محاضر بالجامعة (ماجستير إعلام “أمريكا”) مُخرج سينمائي، ومُدير شركة الخيالة ببنغازي سابقا، متزوج وله ثلاثة بنات وولد. مر الان شريط ذكرياتي عن عائلتي، وتوقف عند ابنة خالي وهى ابنة عمتي فى نفس الوقت.. أخت عزيزة وصديقة غالية حواء عدنان العنيزى، افتقدتها وأنا فى امس الحاجة إليها، كانت صندوق مشكاى ومبعث سروري وأنيس جلساتي، انها من عبق كل ما أحمله من ذكريات عطرة قابعة بداخلي وبين جوانحي، ليست مشاعر مرت وتلاشت أنها ذكرى محفورة فى وجداني من زمننا زمن الماضي الجميل، رحمها الله واسكنها فسيح جنانه.

أما زوجي فهو محمد احمد الهونى مواليد مدينة هون عام 1934 حاصل على دبلوم معلمين عام. . سنة 1959، عُين مدرساً بمنطقة بنغازي التعليمية، وتم نقلهُ فيما بعد إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ثم إلى وزارة الشباب بطرابلس، ونُقل عام 1968 إلى وزارة الإعلام للعمل بالإذاعة مديرا للبرامج، وبعدها إلى الشركة العامة للخيالة بطرابلس، وفى عام 1973 نقل للعمل بالمكتب الصحفي بالقاهرة ومن ثم انتدب للعمل بمؤسسة (ناصر) للثقافة ببيروت لمدة سنة، أُعيد بعدها للعمل بالشركة العامة للخيالة ببنغازي إلى إن تم إحالته للتقاعد عام 1995 وهو أيضا من التحق بالحركة الكشفية من بداية تأسيسها عام 1954، مارس فيها عدة مهام قيادية بداية من الأشبال ومهام أخرى، آخرها منسقا لرابطة قُدامى الكشافين ولازال مواصلا النشاط بهذه الحركة التعليمية التربوية، في بداية الستينات ولأربع سنوات كان مُعدا ومقدما لبرنامج الأطفال بالإذاعة المسموعة ببنغازي، بعد التقاعد عمل متعاونا بشركة الخدمات الضمانية لمدة سنتين ثم متعاونا بشركة الصناعات الغذائية، لإعداد اللوائح والهيكل التنظيمي للشركتين معا.

• سنة دراسية بمصر وموقف طريف!

كنت قد تلقيتُ دورة لمدة تسعة أشهر كانت عام 1965شهر اكتوبر الى اخر شهر يونيه 1966 بسرس الليان (بمصر) في المركز الدولي لتنمية المجتمع العربي، وكانت البعثة الليبية سنتها: حسين الشريف. نجاة طرخان. محمد سعد. على المنتصر. سليمان الضراط، كما انضم إلى المركز لتلقي دورة لمدة ثلاثة  أشهر في مجال المكتبات ثلاثة وعشرون  شاباً من مختلف مناطق ليبيا، وكان ممن أتذكر من المُحاضرين الاساتذة: د. لويس كامل مليكة، حامد مصطفى عمار، محمود رشدي خاطر، محي الدين صابر، عبد العزيز صبيح. رفعت هباب، صلاح الدين محمود فايق، علوية علوى، على عبد العليم محجوب، محمود الشنيطى، عبد الفتاح الزيات، احمد خليفة، محمد الصادق سليمان، ومدير المركز د. محمد سعيد قدرى. ويحضرني الأن موقف مُحرج وطريف في آن لن أنساه. . ففى إحد أيام شهر رمضان المبارك بتلك الدورة  طُلب منى عمل (شربة ليبية)، ووفروا كل ما يلزم لطبخها تكفى لسبعة وعشرين شخص، تصوري ذلك وإنا لا اعرف الطبخ نهائيا ولا اعلم شيئا عن طريقة إعدادها، التفت حولي، الزميلات وهن من مختلف الدول العربية ما عدا  المغرب العربي وانقاذاً للموقف أخذت كل واحدة منهن تقترح طريقة تركتُهن يفعلن ما بدا لهن، وإنا في ذهول وحيرة، مضت الساعات، وأفقت بعدها على مشهد (القِدر) وهو محمول بعناية تامة مُتجهات به الى صالة الطعام التي اصطف الحاضرون فيها حول المائدة مُنتظرين المفاجأة!.. وعندما شاهدتُ الغطاء قد رُفع وخرج البخار من القدر لم أتمالك نفسي أسرعت بالاختفاء ولمدة ليست بقصيرة. .ثم سارت الأيام عادية بلا تعليق!!. والله اعلم كيف كانت وما مصيرها داخل جوف شاربيها، كم اشتاقُ الأن لمعرفة ما حدث لهم يومها ( تضحك).

• نجاة جملي… الصحفية والتلفزيونية

في مجال الصحافة  كتبتُ في جريدة (الرقيب) وجريدة (الحقيقة)، وحقيقة لا اتذكر العناوين الان، و أيضا كتبت في مجلة (المعلم) قصة قصيرة بعنوان: عطاء وحرمان، اما في جريدة (الزمان) فقد توليتُ الاشراف على ركن المرأة بها، وفي مجلة المرأة: حديث معه، روضة الافكار، سؤال حائر، صور وسطور، وبعض المواضيع عن صحة الطفل، اللعب واهميته التربوية، الاسرة والمجتمع، فتيات الشاشة الصغيرة، وجاء التلفزيون.. هذا ما اتذكره، البداية الصحفية كنت فيها أيضا مُراسلة مجلة (الطالبة) المصرية، والمواضيع أغلبها التعريف بليبيا جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا..الخ، محطة أخرى من الماضي اعتزُ بها وتلك الذكريات الجميلة التي قضيتُها مع السيدة الفاضلة حبيبة الجميع ابلة خديجة الجهمي التي أُكن لها كل الحب والتقدير والاحترام، وهى التي دفعتني للعمل بتقديم برنامج (عالم الأطفال) بالتلفزيون فى بداية افتتاحه بطرابلس، والعمل معها وتحت إشرافها بمجلة المرأة، ورغم إن كتاباتي كانت تحتوى على مواضيع يغلبها التشاؤم، لكنني اعتبر نفسي من الأشخاص المُتفائلين دائما والمُبتسمين للحياة وان عشت ذكريات مضت وأيام  خلت بها ما بها، أتذكر فقط احلي الأيام وأجملها واسعد الأوقات واحنها وأقربها إلى نفسي حتى ان كثيرين دائما يتساءلون عن سبب تلك السعادة الدائمة رغم قسوة الحياة وصعوبتها لكني سأقول الحمد الله، لا احمل في نفسي حقداً أو كراهية، لان الحقد من أشد الصفات التي تقضي على بهجة الحياة ونور الأمل، والكراهية صفة هدامة لكل ما فى الحياة من حُب وعطف، وتسامح ورضى نفس، وبشاشة ومرح، ونصيحتي لكل شاب وشابة لا تجعلوا لليأس منفذا الى قلوبكم مهما تغامزت عليكم المحن والصعوبات، اجعلوا الأمل الباسم شعارا لكم تعتزون به.

مقالات ذات علاقة

الشاعرة: سميرة البوزيدي/ النقد هو سلاحي الأول في مواجهة نصي أبداً

المشرف العام

عبد الرحمن إمنيصير: لطالما كانت إحدى أحلامي هي إنتاج رواية

مهند سليمان

محمد الترهوني: البث الصوتي يمتلك قوة ولديه قدرة فريدة على تحويل أي شيء إلى قصة

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق