الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
تحت شعار (التراث الليبي ثروة حضارية ومعين لا ينضب) انطلقت أعمال المؤتمر الدولي الأول للتراث المادي وغير المادي من تنظيم وإشراف الهيئة الليبية للبحث العلمي والمشروع الوطني للتراث المادي وغير المادي، وذلك بقاعة الخيمة بفندق ردايسون بلو المهاري بمدينة طرابلس الذي يمتد لمدة يومي الأحد والإثنين وسط حضور لافت وكبير للأكاديميين الليبيين والعرب حيث استهل برنامج المؤتمر الذي قدمته الإعلامية “سارة سويسي” بعدد من الكلمات الافتتاحية بتلاوة آيات بيّنات من الذكر الحكيم والنشيد الوطني أعقبها عرض مرئي استعرض الملامح المنجزة للمشروع الوطني للتراث.
الخطر المحدق على الموروث الثقافي
بدورها ألقت الدكتورة “مفيدة جبران” رئيس المشروع الوطني للتراق ورئيس المؤتمر الدولي للتراث كلمة أعربت فيها عن بالغ اعتزازها التاريخي بوجود مملكة جرمة (جنوب غرب ليبيا) باعتبارها أول حضارة مدنية مستقلة في صحراء إفريقيا، وأشارت أيضا إلى أن التراث الثقافي هو التعبير الحقيقي العاكس لعلاقة الإنسان بالبيئة المحيطة وما تمخض عن هذه العلاقة من أصالة في العمران والعباد مضيفة بأن التراث الثقافي الليبي المادي وغير المادي هو مؤلف مركب مزيج ناتج عن التفاعل الديموغرافي العرقي المتنوع والمتأثر بالبيئة والسمات الطبوغرافية البحرية والبرية والصحراوية، والمتأثر بالمعطيات الحضارية الوافدة والمتعاقبة، وأوضحت بالقول : إننا هنا نستشعر جمعيا الخطر المحدق على موروثنا الثقافي من طغيان مظاهر العولمة التي فرضت نفسها بقوة مما أدى إلى تزايد الانتهاكات وعمليات السرقة والاتجار الغير مشروع لبعض القطع الأثرية، والتعديات الممنهجة باستلاب بعض من موروثنا الغير المادي.
توحيد الجهود الوطنية لحماية التراث
من جانبه شارك الدكتور “موسى المقريف” وزير التعليم الأساسي ورئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم بكلمة ألقاها بالإنابة عنه السيد “سيف” أكد من خلالها على أهمية بذل المزيد من الجهود للتعريف بالتراث المادي وغير المادي لدى الأوساط الإقليمية والدولية، معربا عن أمله في أن يحقق هذا المؤتمر الأهداف والتطلعات الوطنية الداعية إلى تعزيز وتوحيد الجهود الوطنية لحماية وصون تراثنا الثقافي، مشيرا إلى أن ليبيا لديها كغيرها من الدول قائمة طويلة من الجهات والمؤسسات والخبراء والمختصين والمهتمين من أصحاب المصلحة والاختصاص كلٌّ من زاوية مهامه الموكلة إليه وموقعه ومسؤولياته هم جمعيا مطالبون بالمثابرة وبذل العطاء والتعاون في مجالات العمل المختلفة والمشتركة بغية تحقيق النهضة والاستدامة المرجوتين في مجال الثقافة والتراث.
ضرورة تأهيل المتاحف العربية
كما ألقى الدكتور الشرقي دهمالي رئيس المنظمة العربية للمتاحف كلمة بالخصوص أوضح فيها أن موضوع الاهتمام المتكامل بالتراث الثقافي المادي واللا مادي يدخل ضمن أهداف المخطط الاستراتيجي للمنظمة العربية للمتاحف في تأهيل المتاحف العربية والمؤسسات المهتمة بالتراث الثقافي، وتكوين كوادرها لكي تستمر في العناية بهذا التراث حتى تسلمه للأجيال المقبلة في حالة جيدة، مضيفا بأن هذه الدورة من المؤتمر ستشكل لبنة أساسية لوضع مخطط وطني شامل لتدبير التراث الوطني الليبي المتنوع.
عظمة الحضارات الليبية
من جهته شارك كذلك الدكتور “محمد محمد الكحلاوي” رئيس المجلس العربي للاتحاد العام للأثاريين العرب بكلمة ألقاها بالإنابة عنه الدكتور “علاء الدين الحبشي” إذ عبّر عن فخره واعتزازه بما قدمته الدولة الليبية من دعم كبير للاتحاد العام للأثاريين العرب منذ نشأته، واحتضان ليبيا لأكبر مؤتمراته وهو المؤتمر الثالث عشر عام 2010م، وثمّن الدكتور الكحلاوي الجهود الحثيثة المبذولة من القائمين على هذا المؤتمر للتنويه بقيمة الآثار والتراث المادي واللامادي في ليبيا باعتباره تراث عريق وشاهد عيان على عظمة الحضارات التي تعاقبت على الأرض الليبية لافتا إلى أن الاتحاد العام للأثاريين العرب يضع كل امكاناته وخبراته في خدمة التراث الليبي بهدف إعادة تأهيل المواقع الأثرية والآثار والمتاحف المتضررة.
المدخل للتعرف على الذات والآخر
فيما كان للدكتور “مراد محمودي” مشاركة عبر تقنية (الزووم) عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فقد أكد في كلمته على أنه من الأهمية أن نلفت الانتباه إلى أن التعامل مع الثقافة والتراث ليس هدفا ولا مقصدا في حد ذاته إنما هو مدخل للتعرف على الذات والآخر كونهما ليسا حكرا على فرد أو جماعة أو مجتمع أو دولة أو نظام معين بقدر ما هما تراث محلي وطني إنساني بامتياز انطلاقا من أن التاريخ والحضارة والإنسان بما يحمله في رحيله وترحاله من ثقافة وتراث هو عابر للزمان والمكان، وأضاف بالقول : إن وحدة الفكر والثقافة هي الدعامة الأساسية التي تقوم عليها الوحدة العربية، وأن الحفاظ على التراث الحضاري العربي وانتقاله بين الأجيال المتعاقبة وتجديدة على الدوام هو ضمان تماسك الأمة العربية، ونهوضها بدورها الطبيعي الإبداعي في مجال الحضارة الإنسانية والسلام العالمي المبني على أسس العدل والحرية والمساواة.
معارض الصحراء المفتوحة
بينما شارك الدكتور “محمد فرج الفلّوس” رئيس مصلحة الآثار بكلمة بيّن فيها عدة جوانب منها أن البقايا والأوابد في ليبيا تشكل جانبا مهما من الموروث الثقافي باعتباره الأثر الأقدر على البقاء والاستمرار رغم عوامل الزمن، وتابع بالقول : إنه لمن حسن الحظ أن الظروف الطبيعية والبيئية والمعيشية فخظت لنا مواقع ومعالم أثرية تركت كما هي قبل عشرات وآلاف السنين فها نحن نجد معارض مفتوحة من رسوم ونقوش عصور ما قبل التاريخ تجسد واقع الحياة كما كانت عليه قبل آلاف السنين.
النظرة الدونية للتراث
في المقابل شارك أيضا الدكتور “محمد الطاهر الجراري” رئيس المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بكلمة أضاف فيها أن الاحباطات الكثيرة التي واجهت المواطن الليبي المعاصر أوجدت شعورا بعدم الثقة في النفس الناجم عن عدم الثقة في التراث، وبالتالي الاتهانة بإمكانية غربلته وصوغ مادته لتأسيس رؤى عصرية منه تكون مشروعا حضاريا جديدا يجمع المعاصرة والأصالة، وأوضح الجراري أنه نتيجة لهذه النظرة الدونية للتراث والتعظيمية للآخر والاستسلام له حدثت فجوة كبيرة بين الجيل القديم والحديث في بلادنا.
تنوع التراث الليبي
في ختام البرنامج الافتتاحي للمؤتمر ألقت الدكتورة “مفيدة جبران” بالإنابة كلمة الدكتور “فيصل عبد العظيم العبدلي” مدير عان الهيئة الليبية للبحث العلمي أشار من خلالها إلى أن ليبيا بلد يزخر بتراث غني ومتنوع وهو يعد نموذجا فريدا للتنوع الثقافي والتاريخي، وأردف قائلا : إن تراثنا المادي المتجسد في المدن الأثرية والعالم الأثرية الأخرى يروي لنا قصصا عميقة عن الحضارات التي ازدهرت على أرضنا، كما أعرب الدكتور العبدلي في كلمته عن أمله في ان يحقق المؤتمر حظوط في المشاركة المعرفية والخبرات حول كيفية الحفاظ على التراث الليبي وتعزيزه، والعمل سويا لتطوير استراتيجيات فعالى للحفاظ على المواقع التاريخية، وتوثيق الممارسات الثقافية التقليدية.
الجلسة العلمية الأولى
ثم تلى ذلك إقامة الجلسة العلمية الأولى التي ضمت مشاركة مجموعة من البُحّاث والأكاديميين بورقات عمل بحثية عبر الحضور الشخصي، والمشاركة الافتراضية من خلال تقنية (الزووم)، وكان للباحث المصري الدكتور “علاء الدين الحبشي” مشاركة بحثية بعنوان (تحديات وفرص السكن في المدن التاريخية)، وقد أوضح بالقول : إن السكن في البيوت التاريخية هُمّش بشكل ملحوظ لتفرع المدينة التاريخية من توازن مجتمعاتها، وتصبح متحفا يعرض قيم فنية وتاريخية يطغى عليها توجها سياحيا يقوم على سياحة الأفواج غير المترابطة والمتأصلة بالقيم المجتمعية، ودعا الدكتور الحبشي في بحثه إلى الحث على إيجاد توجها متزنا في كل سياق ثقافي، وفي كل مستوطنة عمرانية كي يشجع المثقفين والمستثمرين وأصحاب الأعمال والعائلات المالكة للرجوع للمدن التاريخية وعدم الاكتفاء فقط بزيارتها والترحم على حنين الماضي.
دور التعليم والتطبيقات التكنولوجيا الحديثة في الحفاظ على التراث
تلته مشاركة من الجزائر للباحثة “ليلى عباس منصور” إذ تناولت في مبحثها دور التعليم والتطبيقات التكنولوجيا الحديثة في الحفاظ على التراث، وتُسلط الباحثة الضوء على التجربة الحديثة لمدينة الجزائر العاصمة في الإدارة الديناميكية للتراث العمراني، والتخطيط الحضري وأنظمة الحماية المثلى للمناطق التاريخية، وأكدت الباحثة أنه في إطار التنمية المستادمة لا تتعارض فيه مثالح الهيئات ولا تتضارب فيه أهدافها، وتطرقت الباحثة إلى فحوى السياسات المحلية المتبناة، ومدى اتضاح أهدافها ووسائل عملها لإدارة الديناميكية كونها النهج للقيادة التنظيمية وصنع القرار.
القيم الجمالية لجداريات الفن الصخري في ليبيا
أعقبها مشاركة بحثية للدكتور “خالد آدم حميدة” الأستاذ المساعد بقسم التاريخ جامعة طبرق تناول من خلالها القيم الجمالية لجداريات الفن الصخري في ليبيا مؤكدا بأن ليبيا تزخر صحراؤها بالعديد من الكنوز الفنية التي رسمت أو نقشت على الحجارة في عصور ما قبل التاريخ، ومن أبرز تلك المناطق جبال الأكاكوس التي صنفتها منظمة اليونسكو موقعا للتراث الإنساني في عام 1985م نظرا لأهمية هذه اللوحات والمنحوتات التي تعكس ثقافة وطبيعة التغيرات في المنطقة، وإن كانت الرمزية وراء هذه الصور ماتزال غامضة حتى الآن، وأضاف حميدة بأن تلك اللوحات جسدت بأساليب متنوعة منها الرسم والنقش الذي ينقسم بدوره إلى عدة أساليب.
اللباس التقليدي للمرأة الليبية عبر العصور
كما ضمت الجلسة مشاركة الدكتورة “فاطمة الشيخي” بورقة بحثية حملت عنوان (اللباس التقليدي للمرأة الليبية عبر العصور)حيث تستهدف هذه الدراسة تنوع وتطور اللباس التقليدي للمرأة الليبية منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث والراهن باعتبار اللباس عنصرا من أهم العناصر المكونة للثقافة المادية والموروث الحضاري من منظور تاريخي، وأوضحت الباحثة بأن أنماط لباس المرأة الليبية التقليدي تتنوع أنماطه وأشكاله وأنواعه عبر الفترات التاريخية المتعاقبة للتوافق مع المقومات الجغرافية التي تمثلت في حالة الطقس ونوعية المناخ لكل منطقة ومدينة ليبية.
المسجد الليبي بين الأصالة والتأثير أثناء العهد العثماني في ليبيا
كذلك شارك الدكتور “أبوراوي مصطفى المرخية” الأستاذ المساعد بقسم الآثار الإسلامية بكلية الآثارو السياحة بجامعة المرقب الخمس بورقة بحثية حول المسجد الليبي بين الأصالة والتأثير أثناء العهد العثماني في ليبيا إذ بيّن في توطئته البحثية أن المساجد العثمانية في مدينة طرابلس وضواحيها تعد من أبرز العمائر التي شُيّدت خلال تلكم الحقبة لما لها من تأثير وتأثر بفن البناء والتخطيط بين الطابع المحلي والطابع العثماني عليها، وأشار الباحث إلى أن دراسته البحثية تهدف إلى توليف مدى أصالة العناصر المعمارية والإنشائية للمساجد الليبية بمثيلاتها في المساجد العثمانية، وتابع بالقول : إن بعض الآراء تشير إلى أن هناك وجود لتأثير مباشر أو غير مباشر لعمارة المساجد الليبية مع عمارة المساجد العثمانية في مدينة طرابلس وضواحيها كون أن هذه المساجد تمتاز بخصائص وملامح فنية ومعمارية مميزة.
التراث المادي بمدينة الخمس – جبل المرقب ورأس الحمّام أنموذجا
فيما شارك الباحث “ماجد أبو خطوة” بورقة بحثية تناولت التراث المادي بمدينة الخمس – جبل المرقب ورأس الحمّام أنموذجا، واستعرض الباحث من خلال دراسته قائمة من الشهواد الأثرية الهامة التي تدل على تضمن التراث الليبي في الخمس لعدد من المواقع التاريخية في فتةر ما قبل العهد الإسلامي وحتى نهاية الاحتلال الإيطالي، ومن بين تلكم المعالم الأثرية المدن والمساجد والقصور والقلاع الحربية وغيرها، وأضاف الباحث بالقول : إن مدينة الخمس تحتضن العديد من موارد التراث المادي الطبيعي المتميز كالشواطئ والجبال.
كلمة مركز الهدهد للدراسات الأثرية
وشاركت الدكتورة “هديل يوسف الصلوي” أستاذ الآثار والنقوش اليمنية القديمة بجامعة صنعاء بمداخلة أوضحت فيها خطط مركز الهدهد للدراسات الأثرية وأهدافها مضيفة بأن المركز يولي اهتماما كبيرا بالتراث اليمني سواء المادي أو اللامادي، والعاملون بالمركز يجتهدون للحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة، وأكدت في المقابل أن تراثنا اليوم محاط بالعديد من التحديات التي تهدد بقاءه واستمراره فالحروب والصراعات قد أدت إلى تدمير بعض المواقع الأثرية ناهيك عن تعرض القطع الأثرية للنهب والسرقة بصورة مستمرة جراء هذه الصراعات، ودعت الدكتورة هديل غلى ضرورة أن نستشعر المسؤولية جميعا نحو تراثنا خاصة في ظل هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا، وأن نحمل على عاتقنا مسؤولية الحفاظ عليه وحمايته.
دور المناهج التعليمية في حفظ وصون وحماية التراث
واختتمت الجلسة العلمية الأولى بمشاركة للباحثة “أروى أسعد المسعودي” بورقة بحثية جاءت بعنوان (دور المناهج التعليمية في حفظ وصون وحماية التراث) فأشارت من جانبها إلى أن التراث رمزا للهوية، وهو رمز مرتبط بالأماكن الثقافية التي لا يمكن التخلي عنها، وأردفت بالقول : وتكمن أهمية التراث في عملية إحيائه بزيادة معدلات التنمية في البلاد، وفرص العمل ونشاط الاقتصاد فضلا عن زيادة الخبرات التدريبية، ولفتت المسعودي إلى أن أهمية إدراج التراث المحلي في المناهج التعليمية يكمن في مساعدة الطلبة على تطوير الشعور بالفخر بثقافتهم وتراثهم إلى جانب تعزيز حسهم التقديري لثقافات وتراث الآخرين علاوة على تزويدهم بالشعور بالهوية والارتباط بعمقهم المجتمعي.