خديجة زعبية
رواية وميض في جدار الليل للكاتب أحمد نصر صادرة في ثلاث طبعات عن دار الكتب الوطنية بنغازي، تتابعت الطبعات بين 1974 ثم في سنة 1984 والطبعة الأخيرة سنة 2007
وميض في جدار الليل هي محاكاة لحياة اي فتاة في تلك الفترة حتى وإن تغيرت الأماكن بطريقة ما إلا أن تفكير الأهل والمجتمع الذكوري هي ذاتها حيث أنهم كانوا يرونها الجزء المركون في حياتهم وممنوع الاقتراب منه وان المرأة مهما تعلمت ستبقى رهينة حتى يأتي من ينتشلها من سجن إلى سجن آخر وحياة أخرى قد لا تفرق كثيراً عن سابقتها.
بالإمكان إسقاط قصة حياة نجية وسجنها ومحاولاتها الإفلات من الواقع حتى لو كان هذا الأمل بريق بعيد يظهر في ظلام الليل على واقع حياة البلاد تلك الفترة، ظهور وجه صبوح في ليلة مظلمة هو بمثابة الأمل في آخر النفق، ولو أخذنا مثلاً شخصية شريف عمران كإنسان عصامي طموح حاول مثل كثيرين من أبناء جيله تسليط الضوء على المناطق المعتمة والممنوعة من التداول سواء قبل سبتمبر أو بعده فكما أشرتُ مسبقاً أن فارق الزمان والمكان لن يؤثر على القضية التي أراد لها الكاتب أن تظهر للعيان.
كما أنه أشار إلى بعض الأحداث بين سطور الرواية فتأتي مثلاً جملة “حتى الأظافر الناعمة تنحت لنفسها نوافذ الفجر” وغيرها من الجمل والتعابير ان لم تكن صراحة فمدلولها يشي بالكثير من الكاتب.
لم تكن الحياة الاجتماعية والمشاكل الاسرية فقط هي السائدة في الرواية مع انها شكلت نسبة كبيرة منها فقد أشار الكاتب لبعض مظاهر الفساد والانتهازية لبعض الأشخاص تلك الفترة وكلما استمر القارئ في تتبع سطور الرواية كلما اكتشف المزيد من أحداث تلك الفترة.
بساطة المواطن وتفكيره البسيط لم تمنعه من اكتشاف ما حوله فنجد بعض الشخصيات التي قدمها الكاتب تنم عن تعامل متزن بما حاكته أيادي السماسرة والانتهازيين والمستفيدين من معاناة الشعب ومثل هذه الشخصيات نتذكرها جميعاً من أقارب ومعارف كانت لنا صلات وثيقة بهم.
كما أنه يتناول قضية حرمان البنت من حقها في تعليم أو اتخاذ قرار يخصها تحت مسمى العادات والتقاليد و جميل أن يستخدم الكاتب وصف عنترة و هو يقف خلف عبلة ممتشقاً سيفه معلناً بذلك وصايته عليها و على مصيرها و حقه في حرمانها من كل شيء.
أسلوب الأستاذ أحمد نصر معروف ببساطته و هدوئه و انتقاله بالقارئ بسلاسة بين الأحداث، و دائما ما يركز الأستاذ أحمد على الجوانب العاطفية و الاجتماعية في كتاباته، و سواء في هذه الرواية أو غيرها من الأعمال التي قرأتها له فإنه يستخدم العديد من الشخصيات و في معظم الأحوال تقترن أسماء الشخصيات بمضمون الشخصية نفسها فمثلاً على سبيل المثال اسم شريف يتبادر للذهن مباشرة كيف ستكون تصرفات الشخصية، و تتوالى الأسماء وقد يكون هذا لفتح قصص جديدة و تتبع مسارات أخرى غير أنه من الصعب التركيز على كل هذه الشخصيات من القراءة الأولى و في هذه الحالة كان يجب أن أعيد القراءة أكثر من مرة و أدوّن أسماء الشخصيات و الصلة التي تربطهم ببعضها حتى لا أضيع في متاهات أخرى.
استخدم الأستاذ أكثر من راوي للقصة فأحياناً نجدها بضمير المخاطب و بعد أسطر نجده يتغير إلى ضمير الغائب و بعد صفحتين أو ثلاث نجده يبدأ بضمير المتكلم و في رأيي لو استخدم نوعاً واحداً أفضل من تعددها و لو كان في الفصلين “هي، هو” جعل الراوي بضمير الغائب لكانت أجمل.
الحي القديم والحي الجديد هي تنقلات بالقارئ الى بيئتين مختلفتين و ظروف حياة تختلف بين الخير و الشر وأن ما يأتي بسهولة لن يستمر بالتأكيد.
نهاية الرواية متوقعة فبالتأكيد بعد كل ظلام نور فجر يضيء الأنحاء والنافذة مهما أُغلقت ستفتح من جديد على واقع أفضل إن شاء الله.