تراكم وحشد - من أعمال التشكيلي الليبي رمضان أبوراس.
شخصيات

منسيون 2/1

بوابة الوسط

يوسف الفيلالي

تلك الكفرة..
التلال والنخيل والتاج يلوح مرتفعا. الصهد وشموس الأيام والظهائر الحارة والناموس والعقارب والظروف الصعبة. الاحتلال كان قد وصل وغطى بظلامه الواحة.

ورغم ذلك ثمة ضياء. يصل يوسف الفيلالي من طرابلس ومعه رفيقه الشارف قشوط.

معلمان يفتحان عيون أولاد الكفرة الصغار على الحرف والقراءة. تواصل وترابط بين أطراف الوطن. معلمون من الغرب يصلون إلى الشرق وإلى الجنوب والعكس يحدث أيضا معلمون من الشرق إلى زلة وهون وجالو وغيرها.

هناك..
يغرم الفيلالي بأغانى العلم والشعر الشعبى. يأنس إلى صديقه على الحاج محمد البرعصي. يقطعان رتابة الأيام ولحظاتها القاسية بالحكايات والقصائد والذكريات التى تسكن القلب. (زعم كيف حالك يابعيد ادياره) ينظمها الفيلالي وترددها التلال.

سنوات ثلاث من 1936 وإلى قرب الحرب العالمية فى 1939 يقضيها هناك بلا ملل ويراسل أهله في طرابلس وأصدقاءه في بنغازى ويدون ويوثق الكثير من عيون الشعر والأغاني ظلت مخطوطة منذ تلك الاأام ولم تزل تحتاج إلى عناية.. إلى إصدار. 

سنوات من التعليم والشعر والأنس والسفر في طريق طويلة تمتد بلا انقطاع غير معبدة. والصهد والظهيرة والجوبه البعيدة فى زمن الاحتلال.
(زعم كيف حالك يا بعيد ادياره)

ويصاب الشاعر المعلم بمرض في الكفرة ويعود إلى طرابلس للعلاج. لكن المرض القاسي كان شديدا. يعجز الطبيب الإيطالى عن العلاج ويخطيء في التشخيص.

ينطفيء قلب الشاعر المعلم. يرحل وفى خاطره بعيد الدياروالكفرة..

ثم يشعر الطبيب الإيطالى بالكارثة التي ارتكبها فينتحر.

عبدالعزيز الأبيض

فى بنغازى عام 1910 ولد.
كان والده منصور الأبيض من رجال الدين في المدينة ومن حملة كتاب الله ويتولون إمامة سكانها فى أحد جوامعها في تراويح رمضان.

بعد عشر سنوات من مولده رافق والده مع مجموعة من شباب بنغازي إلى مصر ودرسوا في الأزهر ولم يكملوا. كانت الحكومة الإيطالية أوقفت المساعدات المالية الضئيلة التى كان يحولها أولياء الأمور إلى أبنائهم هناك.

عادوا. اشتغل عبدالعزيز الأبيض معلما بحكم تحصيله وثقافته. فضل التدريس على جميع الوظائف الأخرى. كان يعتبره رسالة مقدسة وواجبا وطنيا عظيما.

كان التحاقه بالتعليم عام 1928 منذ تسعين عاما. التوسع الإيطالى يزداد. معركة عافيه في هون. معارك في الجبل الأخضر. وبنغازي المدينة تضيق من أثر الاحتلال والتهجير ويتوقف الدفن عامها فى مقبرة سيدي حسين الفاخري.

ذلك العام وصل الأبيض الذي اشتهر بسرعة بديهيته وظرفه وصراحته إلى توكرة. كانت قرية لكن فيها عبق التاريخ. بها مدرسة تحتوي ثلاثة فصول تضم التلاميذ الصغار الممتلئين بالفقر والجوع. بقي هناك إلى عام 1932 وفي تلك الأعوام كانت تشارك ذلك الجيل المعلم في الرسالة حميدة العنيزي وبديعة سرور. سيدتان من بنغازي تعلمتا في اسطنبول وعادتا لتقتسما مع الرجال مهنة الواجب.

ثم يمضي الأبيض إلى غرب بنغازي. يفتتح أول مدرسة في الزويتينه عام 1935. وثانية في أوجله 1936. وثالثة في اجدابيا عام 1937 وأخرى بها أيضا عام 1944 بعد الحرب.

كان عبدالعزيز الأبيض وجيله من رواد التعليم يعطون طلبتهم تلك الأيام مايفيدهم خفية بعيدا عن رقابة العدو وبصاصته. كانوا ببساطة يمررون الوطنية من خلال القطع الإملائية في كراسة خارجية أعدت لهذا الغرض أو في أوراق تمزق بعد انتهاء الدرس. 

ذلك جيل محمود دريزه وعلى المقصبى ويوسف الأثرم وحامد الشويهدي ومصطفى الطياش والشريف الماقني والمهدي بوزيد وغيرهم ممن سبقهم في الواجب وعلمهم صليح الأرناؤطي وحسين أشرف والسنوسي المرتضى وإبراهيم المكحل.

ثم تواصل الرجال بلا توقف. تضحيات ووطنية محمد الفلاح ومحمد العالم حويو ومحمود امبارك الشريف وطاهر الشريف ومحمد حمى ورجب النيهوم .

وغيرهم ..
وغيرهم أيضا.
ألا تخجل الاجيال الجديدة من ذكر أسماء هؤلاء!؟

محمود دريزه

ذلك شارع سيدي سالم.

إنه ينتهي باتجاه المسجد العتيق عند الميدان وثمة محل للكتابة العمومية في آخره افتتحه صاحبه ليقضي على الفراغ ويلتقي فيه بأصحابه وتلاميذه بعد عمل طويل استغرق نصف قرن بين المدارس والطباشير والمناهج .

ذلك هو محمود دريزه تصادف مولده فى بنغازى عام 1911 مع وصول سفن الغزو الإيطالى إلى جليانه. كان والده الشيخ مصطفى دريزه من المعلمين القدامى الذين أسهموا فى التنوير والتعليم ووضع مناهج في اللغة العربية والعلوم الدينية لأبناء المدينة. تعلم الإبن على يديه. وكان هناك أيضا من المعلمين الذين علموه ذلك الزمن الشيخ السنوسي المرتضى وحسين فليفله الوحيشى.

عام 1929 نال دريزه الصغير شهادة أهلية التعليم وصار معلما مع والده وتنقل فى أغلب مدارس المدينة وخارجها وواجه وزملاؤه الكثير من الصعاب. كان المقررالمدرسي الإيطالى محددا بطريقة خاصة وقد حتم الواجب الوطني على محمود دريزه ومجايليه أن يحاربوا ذلك المنهج بأسلوب آخر لاتنقصه الشجاعة.

كانوا يستدعون تلامذتهم ويستضيفونهم في بيوتهم. مرابيع بسيطه في أزقة بنغازي العتيقة. ويعطونهم الدروس الخصوصيه في اللغة العربية والدين ويمسحون ماعلق في عقولهم أول النهار من ثقافة المستعمرالقادم من وراء البحر.

واجب ورسالة. المعلم الوالد. والمعلم الإبن. وبقية الرواد نهضوا بها خير نهوض. وبعد الحرب العالمية الثانية وكانت المدينة خرابا وظلاما قام دريزه وأولئك الزملاء بالواجب في زمن صعب. مخلفات الحرب والدمار والجوع والفقر. كانت السبورات عبارة عن ألواح خشب لصناديق مطلية باللون الأسود ومقاعد التلاميذ عبارة عن صفائح من الزنك وكان المعلمون في الاستراحه بين الدروس يقتعدون على شوالات بالية وكانوا أيضا في ذات الوقت يعملون نجارين يصلحون مقاعد الدرس ويقومون أيضا بواجب النظافة لفصول المدرسه وكانوا في كل الأحوال سعداء بتأدية الرسالة. يقول دريزه عن تلك الأيام.

هل قلت إن هؤلاء الرجال صعب تكرارهم في هذا الزمن الرديء.

مقالات ذات علاقة

الكاتب والأديب عبدالله القويرى

المشرف العام

في ذكرى ميلاد شاعر الثورة والحزن الـ70

المشرف العام

شاعرية الوجه الليبي

محمد الأصفر

اترك تعليق