د.شعبان بشر
قام الروائي الليبي هشام مطرHesham Mtar بنشر روايته (تشريح اختفاء) Anatomy of A Disappearance بتاريخ 23 أغسطس. 2011 م. كُتبت الرواية بالعاطفة والحميمية التي صاحبت الاعتراف الدولي الكبير للكاتب ضمن روايته السابقة في بلاد الرجال، وكانت صوتا للعطاء الجميل الذي يعبر عن حالة أولئك الذين تتشكل حياتهم بأسى غياب أحد الأحبة بفعل الموت.
تقول الرواية:
نوري ولد صغير، عندما توفت والدته بداء له أن فراغ الموت الغريب الذي تركته والدته لا يملؤه شيء، كان الولد الصغير يعيش مع والده في شقة بالقاهرة مليئة بأسى الفراق الموجع، حتى قابلوا منى وهي تجلس بجانب حوض السباحة بفندق ماجدا وهي ترتدي بدلة السباحة، وعندما شاهدها نوري شعر بأن الكون قد تلاشى، ولكن والد نوري وقع في حب منى الفتاة المصرية من أب انجليزي، وتزوجها.
تقلب الفتى ضمن مشاعر الرغبة في الاختفاء، حيث تم إرساله إلى مدرسة انجليزية بعد زواج والده، وكانت تتشكل لديه رغبة غريبة مخفية متمثلة في تمنيه الاختفاء لوالده حتى يتمكن من التواصل مع منى، وكانت هذه الرغبة المقموعة مستغربة لطفل صغير لم يصل لمرحلة البلوغ، وتحققت رغبة الطفل بعدما تعرض والده لعملية خطف سياسي واختفى قسريا خارج حدود المكان المعلوم، وظل الطفل يبحث عن والده بمساعدة منى، ولكنه ظل أسير تلك الليلة المشئومة التي خُطف فيها والده، وكلما تكشفت الحقائق تلاشت الحميمية الأبوية وزادت مساحة الزمن الرمادي، وبعد تخرجه من مدرسة لندن ظل الشاب نوري أسير إحساس الندم والصمت المرتبط باختفاء والده.
يمكن اعتبار رواية هشام مطر تعبيرا عن الخوف الوجودي المرتبط بالسلطة، التي ابتلعت كل مفاصل الحياة وأدخلت المجتمع ضمن صيرورة وجودية تعبر عن حالة خوف جارف من الاختفاء الذي صاحب نعيق الانقلابيين منذ العام 1969م، السلطة والقومية والقاهرة ولندن ارتبطت بكل الباحثين والهاربين من رهاب الاختفاء القسري والموت السرمدي، لعبة الزمن الرمادي صاحبت العديد من الروايات الليبية، حيث يشير الروائي الليبي الكبير أحمد إبراهيم الفقيه في ثلاثيته الشهيرة “زمن انقضى وزمن يرفض أن يأتي وبين الزمن الهارب والزمن الذي يرفض المجيء مفازة من الرمال الحمراء، استلقي فوق الأرض المحروقة تحت سماء بلون الرصاص لاهثا ظامئا مسفوح بهواء كأنفاس الجحيم” كما أن زمن الروائي العالمي الليبي الكبير إبراهيم الكوني ، زمن آخر يعبر عن التيه الأبدي عبر مسارب صحراء يحاول أن يفك رموزها الصامتة، الخوف السرمدي من الاختفاء والموت القسري ظل يتغلغل في مفاصل البلد الليبي منذ نهاية العصر العثماني الثاني – صراع الاستعمار والحداثة – والاستعمار الايطالي، بينما أطول رواية كُتبت باللغة العربية للروائي الليبي احمد إبراهيم الفقيه، أثنى عشرية معنونة “خرائط الروح” عبرت عن زمن آخر يدخل عبر تفاصيل حيرة مجتمع يقف مشدوها بين شهوة الحداثة وغربتها وقلقها و قطيعتها، تلك الرواية تعتبر أول عمل روائي ليبي يمكن أن يصنف ضمن التاريخ الاجتماعي للمجتمع الليبي، لا أحد يستطيع أن ينكر أن حكومة الحاكم الايطالي ايتالو بالبو قد بلطت طريق الحداثة نحو المجتمع الليبي، بالرغم من تشريح الاختفاء الذي مارسته قوات السفاح الايطالي الجنرال جرتسياني، وعاد الزمن الرمادي من جديد ليجثم على صدور الليبيين إبان الحرب العالمية الأولى والثانية ويعديهم من جديد للاختفاء القسري، وكان يوم 24 ديسمبر 1951 م ليعبر عن زمن جديد حتى يوم 1 سبتمبر 1969 حيث عاد الزمن الرمادي من جديد، وازدادت مفازة الرمال الحمراء اتساعا لتبتلع كل مفاصل المجتمع الليبي، واُستنسخت نفس المنظومة القبلية التي كانت تتناحر بينما فرسان القديس يوحنا يكتسحون شواطئ الوطن الليبي، و لفت أيادي الزمن الرمادي قراطيس الوطن، وازداد الاختفاء القسري مع ظهيرة 17 فبراير 2011 لترتفع وتيرته مع كل صباح حتى إعلان موت المومياء، ومع نشيد النصر تتردد كل صباح أنات الأمهات الثكلى لتقول الأم يا ولدي سألاقيك في الجنة، فهل ندخلها مع دموع الأم الصابرة أم أن زمن الاختفاء القسري سيعود من جديد؟
تعليق واحد
السلام عليكم