خلود الفلاح، تقول:
لا يحتاج الشعر في العالم لشيء بقدر حاجته لمن يقرأه بحب
رقم حسابي دائماً يشكو البرد و الوحدة
هل تعتقد أن العالم بحاجة إلى المزيد من حماقاتنا
حاورها: رامز النويصري
خلود الفلاح.. قبل ن أعرفها شاعرة، عرفتها صحفية نشطة ومثابرة.. تعمل بجد، وتحرص بجدٍ أكبر.. أما وهي شاعرة فهي لا تحاول مداعبة الكلمات ولا إثارة المتلقي باندفاعها، إنها هادئة، تكتب نصها بوعي تام وإدراك، لا تحاول الإبهار.. تكتب نصها داخلياً قبل أن تقدمه، تمنحه من دفئها الكثير، تشذب حوافه الحادة من بعد تطلقه.
أصررنا على أن يتم اللقاء، رغم خوفها، فهي كما تقول للمرة الأولى في موقف الضيف، وكم هو صعب أن تبدأ رحلة البحث عن إجابة.. وهذه نتيجة الإصرار.
* لماذا بهجات مارقة؟ و هل ثمة بهجات قابلة لان تمرق؟
– عندما قررت أن أجمع بعضي في (بهجات مارقة)، هناك من قال انتظري قليلاً.. هل متأكدة انك ستحققين ربحاً -مع ملاحظة أنني طبعت الديوان على حسابي الخاص، و مازلت أسدد في ثمنه-.. جاءت تأشيرة و جود البهجات من داخلي حين قلت سأغامر و لا يهم النتائج.. فهذه عادتي مع الأشياء التي أحب.
كانت البهجات دون مقدمة امتدح فيها، و بالطبع كانت هناك عدة خيارات للعنوان و في الحقيقة ما كان يشغلني أكثر هو لوحة الغلاف.. كنت لا أريدها تقليدية.. في البهجات كنت ابحث عن شئ مختلف.. و كم من مرة كنت اقرر إلغاء الفكرة.. و لا أنكر أن للقاص الأروع “محمد عقيلة العمامي” دور كبير جدا في صدور هذه البهجات المارقة.. فنصوصي الصغيرة المتصدرة البهجات تقولني، تحاكي و جودي الإنساني.
بالتأكيد -الشطر الثاني من سؤالك-.. كل الأشياء و الأمنيات التي نطلبها بقوة وإصرار تهوى الرحيل دون أن تعلمني بموعد المغادرة فقط حتى أمنح نفسي فرصة لاستقبال الآتي.. البهجات المارقة لقمة هواء من أجل الحياة، من أجل بقعة ضوء.
* الكثير من الكتابات تتناول الكتابة النسوية؟ فهل ثمة حقيقة كتابة نسوية؟
– الفضاء الإبداعي لا يخضع لقوانين فيزيائية أو كيميائية، كأن نقول أكسيد الكالسيوم+ ماء= هيدروكسيد الكالسيوم.
قرأت كثيرا في موضوع تصنيف الكتابة و لم أخرج إلا بنتيجة واحدة (الكتابة فعل محبة) وأي تصنيف هو تمييز عنصري.. هل المقصود أن المرأة تكتب للمرأة و الرجل يكتب للرجل و ننغلق على ذواتنا.. المبدع الحقيقي (امرأة و رجل) يمتلك مخزون من الأحداث و الحكايا و عندما يدفع بها نحو السطح لا يتقمص جنسه و يكتب وفق معايير مسبقة.. و أن كان لابد من ذلك التصنيف الكلاسيكي ففي المقابل نلغي إحساسنا بالتفاصيل والأمكنة و الشخوص و نتحول إلى كائنات رقمية.
* الكثير من النقاد يربط بين الجسد و كتابة المرأة. فإلى أي حد تتفقين و هذه الرؤية؟
– هل تعتقد أن العالم بحاجة إلى المزيد من حماقاتنا.. هذه الرؤية لا أحبذها.. المرأة ليست إحدى أيقونات ثقافة الرفاهية المعممة كما يقول “لوثر لودتك”.. أنا أرفض إقحام الجسد بشكل (عديم الإنسانية)، أو لنقل مقرف في عملية الكتابة هذا رأيي الشخصي، هناك من يرى في هذا الشكل من الكتابة وسيلة وصول سريعة لقارئ اعتقد انه مؤقت.
* إلى أي مدى تمثل المجموعة الأولى قلقاً للشاعر؟.. و هل هي عتبة عبور أو تأريخ مرحلة؟
– أنها تمثل الكثير و الكثير من القلق الأصيل الذي يهبني المزيد من البوح الكتابي والبحث عن جغرافيا تسعني لها علاقة حميمية بالضوء و المطر و السماوات السبع، تمثل قلق يتواصل بصدق مع تفاصيلي اليومية و العابرة و حتى المملة.
لا أتنصل من الأشياء التي اقترفها (هي أنا) النافذة التي اطل بها على العالم الذي أشكله كيفما أرغب و احب، و لا أهتم بالأمور الصغيرة التي قد تلهيني عن معانقة الجمال.
* كيف ترين تجربة الشعر في ليبيا؟
– لا يحتاج الشعر في العالم لشيء بقدر حاجته لمن يقرأه بحب.
* كيف ترين تجربة الشعراء في ليبيا؟ و تجربة الشاعرات في ليبيا؟
– لست باحثة لأحدد ملامح هذه التجربة. و لكنني سأتحدث في العموم هي تجربة رائعة تحاول أن تقول نفسها خارج السرب.. نحن جيل محظوظ بذاك الكائن الاتصالي المسمى (النت) فهو من وثق صلتنا بالإبداع في الجانب الآخر منا وأتاح لنا فرصة اكبر للنشر -و إن كان البعض يعترض على هذا النشر الإلكتروني- أقول اتركونا نعيش عصرنا بكل طقوسه.
عندما وجهت لي الدعوة لحضور ملتقى صنعاء الأول للشعراء الشباب هناك وجدت أن النت قد ساهم في التعريف بي عبر مطبوعاته و مواقعه.. و سألت عن تجربة الشعراء الشباب هنا في ليبيا و هناك رغبة في التواصل معها.
* شاعرة.. وصحفية نشطة. كيف تتقاطع هاتان التجربتان؟
– (أشكرك على وصفي بالنشطة).. فالحياة لا تمنح الجالسون شيئا يذكر. و في كل الأحوال مازالت الصحافية متفوقة على الشاعرة، فربما لان تجربة الممارسة الشعرية ما تزل صغيرة. صدقني مازلت أخاف المنصة و مواجهة جمهور يحدق في كلماتي وأظل أذاكر نصوصي حتى يأتي دوري.. و لا أخفيك أن هناك أمسيات أدع إليها و في اللحظة الأخيرة اهرب.. كل ذلك بعكس الصحافية ليس أمامها من خيار سوى متابعة الحدث و الكتابة عنه و إلا فلتجلس وراء المكتب كأي موظفة.
* ما الذي أضافته التجربة الصحفية لرصيدك؟
– أي رصيد تقصد. إذا كان المادي فرقم حسابي دائماً يشكو البرد و الوحدة.
هذه التجربة شكلتني اقصد جعلتني أتذوق طعم الحياة بشكل جديد، بدأت أحس بالمسئولية و إنني قادرة على التصرف بمفردي دون اعتمادي الكلي على الأهل. عرفتني على أناس جدد خارج نطاق الجيران و أسوار الجامعة. هؤلاء أستطيع أن أصفهم اليوم بالأصدقاء. الصحافة تجربة منحتني النضج.
* كلمة للختام؟
– صدقني لا ادري كيف أجبت على أسئلتك.. فأنا لست معتادة على أن اخذ موقع الضيف.. الآن بدأت اعذر ضيوفي الذين يتعبوني في تحديد موعد لمحاورتهم.
* صحيفة الشباب.. العدد: 16