ميم الصيدق بودوارة.
النقد

ميم تحول نبذ انتظام الحروف

ميم الصيدق بودوارة.
ميم الصيدق بودوارة.

 

أهداني يوماً الصديق العزيز الصديق بودوارة كتاب نصوصه الموسوم ب “ميم” قال لي لحظة لأوقع هذه النسخة لك ، فكتب بخط صغير جدا ً هذه العبارة “إلى انتصار التي تصمت عندما يمتلئ فمها بالكلام .. الصديق”

وماذا إذ تدحرجت الكلمات صوب قاع ورقة تحاكي ميم التي تكونت حروفا لبوح الصديق بآلامه ، هنا و بتواطؤ مع مجلس الثقافة العام وتحت إشراف منه طبعت ميم ، ولدت لتكون بين أيدي كثيرين ، مذاقاً للالتهام من قبل الكل .

تلقفت “ميم” وأدهشني تساؤلها عندما وضعت عيني علي ” إليها كي لا ترحل ” من التي ترحل ومن التي تبقي ، حدث هذا فور تقليبي للصفحات تسللت عبر الكلمات ودلالتها ورمزها للبث عن الراحلة لأجدها أمه .

أتوجس ضيفه الآن

أمسك بقلبي كي لا يخونني النبض

وبفهمي حتى لا يتركني الكلام

بينما أخشي أن يترك الموت كل الذين يستحقونه في هذا العالم ليتفرغ لأمي .

يظل سؤال الفقد والاغتراب هو الأبرز بين ملامح النصوص لينسج من  سماته النصوصية وفي طياته ومضامينه الترقب، فجل نصوص الصديق تحاول أت تسرق النفس لتظهر للوجود تتقسم بين شيئين دلالية الحيرة وارتجالية الكلمة في متسع من الصمت خلف أبواب البوح .

ضجرت السماء

كانت واسعة كذمة مرتشي

مترامية الأطراف كذاكرة عاهرة

طالبة من كل شيء كمحفظة فقير

في ميم النص المعنون لهذه المجموعة ، تحتشد عدت ميمات مرصوصة صوب تساؤل يعم الجميع ، يتلاعب بودوارة بالقارئ ليقوده صوب نصوصه بشيء من الحماس فلا تعرف إن كانت ميم مبهمة أم متروكة مسيسة أم مجتمعة .

مؤصدة الأبواب من أمامها

محكمة الإغلاق في آخرها

مرهونة بالانطواء

محكومة بالصمت

من ابدع تحت هذه الكلمة يا ترى ؟

الموضوع في نضمه عادي ومطروق بلغة سلسة وعادية في تراكبية الحروف ، لا جديد سوى شعور بودوارة بهمهمات حبيسة ، يجعل من نفسه غائرا في أحاسيس الحب والعشق مبتعدا به عن الواقع بمحاولة التملص من الواقع برفض الواقع وتسبح في واقع خيالي يتماشى معه ويحاكي آلمه :

املك من الهدوء

ما يهدئ روع عاصفة

ومن التوجس

ما يكفي آلاف الظنون

عندي من الدمع

ما يبني مدينة ملح

وعندي من عذوبة الحديث

ما يغني عن مذاق الحديث

يحاول بودوارة تحت سمة الحداثة أن يتلاعب بمخيلة القارئ ويخرجها بهولة إلي أغوار نصوصه ويطلق له عنان الاختيار إما التصفيق إعجاباً أو السكوت بخيبة آمال ، يمازج بين الممكن والا ممكن ، باعتماده على القارئ وذائقته بالدرجة الأولي ما جعلني أتوقف في ميم كذلك .

مفردات الموت المنتشرة على حوائط النصوص فاغلب النصوص لابد من الموت في مسلماتها فما أن تشق الحروف ، إلا وتغرب بشيء منه ، ومن الحزن كما في امي الميتة ، أمنيات ميتة ، السيرة الذاتية للفتنة الكبرى .

تحيط لغة الصديق بروح المكان ويحافظ على إيقاعها بشكل مميز قوامها مفردات بسيطة وقصيرة وصور معتقة مرتجلة بعين سينمائية الالتقاط فالنصوص مصورة والكلمات مقاطعها ، ويحيط غياب والدته بدراماتيكية المشهد الحزين الذي يلف النصوص جميعا ً لو أن الصديق سألني : هل أعجبتك ميم ، لقلت له ل أسميتها الوقوف كا حريا بي أن أعجب بها أكثر ، فلقد وفق بنص الوقوف أيما توفيق ومنه :

كريه غيابك

كوجه ظالم

كئيب فراقك

كوجه مظلوم

ومقفر مكان لا يحتويك

كقبر لا يزوره أحد

فنص الوقوف يبدأ

أمام سور عينيك وقفت

لا فمي معي ولا حتى اليقين

لا مراكبي تسير وجه الموج

ولا رماحي تشير لك من بعيد

سينغرافيا يلقيها بعنف في عمق  الميم بتساؤل محموم ، من حبيبه أم قرية ، مدينة عشيقة ، بنت ، أخت ، أم ، بلاد ، ويقف التساؤل على عتبة الوقوف .

مقالات ذات علاقة

رواية لغز حجر غدامس لإبراهيم الإمام

خديجة زعبية

قراءة ومقاربة.. تحذير إلى القارئ !

عطر النزوة في الشعر النسائي الليبي

أحمد الفيتوري

تعليق واحد

د. الصديق بودوارة المغربي 6 مايو, 2018 at 16:49

انتصار ..
التي تصمت عندما يمليء فمها بالكلام .
طيلة خمس سنوات كانت رحلة صحيفة قورينا ممتعة كحلم طفل ..
صعبة كعبور صحراء ..
شهية كلقمة جائع .
وكانت الكفاءات والمواهب تتجسد أمامي كل يوم .
وها أنا بعد سنوات عجاف من الغياب التقي مجدداً بأحداها ..
أبدعت انتصار ..
ليس لأنك كتبت عن ميم ..
بل لأنك أعدتني إلى ذلك الزمن الجميل ..
ذلك الذي كنت ــــ ولا زلت بكل تأكيد ـــ تصمتين عندما يمتليء فمك بالكلام .

رد

اترك تعليق