المقالة

سوء حظ آداب حضارات الشرق الأوسط القديم

رغم زوال الإمبراطورية اليونانية والسيادة اليونانية، في تاريخ مبكر، إلا أن الأدب اليوناني استدام من خلال وراثة الإمبراطورية الرومانية للتراث الثقافي اليوناني ومحافظتها عليه.
ونود أن نشير هنا فقط إلى الملحمتين اليونانيتين الأشهر “الأوديسا” و”الإلياذة” للشاعر اليوناني هوميروس اللتين لم ينقطع تداولهما منذ أن كتبتا.

لقد ظهرت ملاحم في حضارات الشرق الأوسط القديم المجاور للأراضي اليونانية في فترة أسبق كثيرا من زمن هوميروس (يعتقد أنه عاش حوالي القرن الثامن قبل الميلاد، ومشكوك في وجوده أصلا!) وملحمتيه. إلا أنه لم يعرف شيء عن هذه الملاحم الشرق أوسطية إلا في وقت متأخر جدا.

تنتمي هذه الملاحم إلى حضارات بلاد وادي الرافدين، وقد حفظ لنا الزمن والتاريخ بعض هذه الملاحم أو أجزاء منها أو أسماءها كما تخبرنا قائمة بالملاحم الأكدية:
1- ملحمة أدد نراري
2 – ملحمهَ توكلتي- ننورتا
3 – ملحمة اكتُشفت منها قطعة من لوح كبير ويُحتمل أنها تدور حول الملك الكاشي كوريكالزو الثاني.
4- ملحمة تعود إلى العصر البابلي الوسيط ولكن نصها وجد بحالة سيئة جدا.
5 – املحمة أدد-شمَ- أوصر.
6- ملحمة نبوخذ نصر الأول.
7 – ملحمة نبو بولاصر.
8 – ملحمة اميل – مردوخ.
9- ملحمة سقوط أور.
10- ملحمة حصار أوروك. (1: 28*)

إلا أن أشهر ملحمة، على الإطلاق، تنتمي إلى حضارات وادي الرافدين هي ملحمة غلغامش المكتشفة سنة 1853 ضمن محتويات ما عرف لاحقا بمكتبة الملك الآشوري الشهير آشور بانيبال، وترجمت أول مرة إلى الإنغليزية سنة 1872 من قبل جورج سمث.

يعتقد أن تدوين الملحمة (وليس تأليفها) تم منتصف القرن الثاني قبل الميلاد (أي قبل ظهور ملحمتي هوميروس بما لا يقل عن سبعة قرون). ويصفها د. طه باقر، الذي اشترك في أول ترجمة عربية لها (1: 31) مع بشير فرنسيس ظهرت في مجلة سومر ع 6، 1950، ثم أعاد ترجمتها منفردا ونشرها في كتاب بعنوان “ملحمة جلجامش” سنة 1961، أنها “أقدم نوع من أدب الملاحم البطولي في تأريخ جميع الحضارات” (2: 10). ويؤكد صامويل نوح كرامر أبعد هذا أيضا حين يقرر “لا يخامرنا كثير شك في أن السومريين كانوا أول من ابتدع وطور أدب الملاحم المحتوي على حكايات بطولية في قالب شعري” (3: 183). ويضيف أنه “ليس من المستحيل أن الملحمة، كجنس أدبي، ظهر أولا في سومر ومن هناك انتشر في الأراضي المجاورة” (3: 185).

وقد ترجمت هذه الملحمة إلى عشرات اللغات ونالت اهتماما واسعا من الدارسين عبر العالم، وما زالت قابلة للزيادة لأنها لم تكتشف كاملة حتى الآن وفي كل مرة يعاد نشرها بإضافة ما اكتشف منها.

إن مشكلة آداب حضارات الشرق الأوسط القديم أنها انطمرت (بالمعنى الحرفي) مع انهيار تلك الحضارات في فترة مبكرة (فمثلا سقطت الدولة البابلية سنة 539 ق. م) ولم تجد حضارة وريثة تتبناها وتحافظ على حياتها.

_______________________

المراجع:

(*) يشير الرقم الأول إلى رقم المرجع في القائمة أدناه، ويشير الرقم الثاني إلى رقم الصفحة المأخوذ عنها.
(1) الدكتور نائل حنون، ملحمة جلجامش: ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش والتحليل اللغوي للنص الأكدي، دار الخريف للنشر والتوزيع، دمشق 2006
(2) طه باقر، ملحمة جلجامش: أوديسة العراق الخالدة: http://www.pdf-books.org/yaksn/www.alkottob.com-Taha_Baqir_Epic_of_Gilgamesh.pdf
(3) Samuel Noah Kramer, THE SUMERIANS: THEIR HISTORY, CULTURE AND CHARACTER, THE UNIVERSITY OF CHICAGO PRESS, CHICAGO & LONDON, 1963

نشر بموقع بوابة الوسط

مقالات ذات علاقة

قشة فى مهب الريح

تهاني دربي

هذه الأرض ستكون حنونةً

المشرف العام

هـل في الشـعر ثـقافة ؟

زياد العيساوي

اترك تعليق