بلغني أيها الملك السعيد.. أنَّ نملةً كانت تسير مع فيلٍ جنباً إلى جنب فوق جسرٍ صغير.. بدأت تتحدث:
ـــ كم كانت جدَّتي حكيمة.. حين جعلت النبي سليمان يبتسم عندما قالت: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ.. لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ).
نفخ الفيل بخرطومه في اتجاه النملة.. مما جعلها تطير.. تتدحرج فوق حافة الجسر.. حتى كادت تسقط.
استعادت وضعها إلى جانبه بصعوبة.. قالت غاضبة:
ـــ لَيْش؟ كان الأجدر بك أن تحافظ على الحد الأدنى من آداب الرفقة.
ـــ لأنني لا أُحب الغمز واللمز.. فأنتِ لم تتحدثي عن جدَّتكِ بهذه الطريقة إلاَّ لتهزئي بي.. وكأنكِ تُشيرين إلى ما فعله جدِّي مع (أَبْرَهَة).
ـــ ليس تماماً.
ـــ بل هذا ما قصدْتِه.. فأنا أعرف قرصاتك التي تشبه وخز الدبابيس.. إنَّ جدِّي كان مغلوباً على أمره.. لقد خُدِع.. لم يقولوا له بأنهم ذاهبون لهدم الكعبة.. عندما اكتشف ذلك في آخر لحظة.. توقَّف.. رفض أن يتقدم خطوةً واحدة.. بل إنه غيَّر وجهته تماماً.. فالرفض هو الرفض.. حتى لو كان في آخر لحظة.
ـــ ما علينا.. لا تغضب.. أنت سريع التأذِّي.. تتحسس دائماً من أمورٍ لا وجود لها.
مرَّت فترة صمت.. كانت النملة تَهمُّ خلالها بالكلام مرَّة أخرى.. لكنها كانت تُحْجِم عندما تتطلَّع إلى الخرطوم المتدلِّي من السماء.. ينفث الهواء هنا وهناك.. فتتطاير من أمامه الأشياء.
بعد اجتياز الجسر.. قالت النملة للفيل بكثيرٍ من الزهو:
ـــ أرأيتَ كيف كان الجسر يهتزُّ تحت أقدامنا..!
وأدرك ضِفْدَزاد الصباح.. فسكتت عن النقيق المباح.