رواية (غياهب الحي المقابل) للكاتب حسن أبوقباعة المجبري
سرد

رواية: غياهب الحي المقبل – الفصل الثاني

2- الحي المقابل

 

***

ببزوغ شمس ذلك الصباح الدافئة أكمل الحي المقابل ارتدائه لثوب الحياة.

كان ذلك الحي بموقعه الفريد يمثل لوحة فنية ساحرة تتجسد فيها مختلف أنواع التضاريس..

بحر ازرق كبير .. وتلال لجبال عالية .. وكثبان من الرمل الأبيض .. ومقبرة عتيقة .. وسماء تغطى سقف الحي ، وتضفى عليه جمالاً ربانيا ، وبعداً فنيا عظيماً

… كان الحي المقابل للمقبرة بتلك التضاريس .. وهذا الموقع من أجمل الأماكن في تلك المدينة الشامخة.

ومع بزوغ الشمس ظهر أول المستيقظين .. انه ذلك الشاب النحيف والأنيق إنه (ادهم )

وكعادته على مر الأيام قام بواجبه التقليدي الذي جسد بساطة الحياة، والذي ميزه عن جميع أقرانه بنشاطه وإمكانياته، ودقة تصرفاته النادرة.

دبت الحياة من جديد في ذلك الحي .. واكتظت الشوارع والطرق بالمارة، كل الأشخاص يتجهون إلى أهدافهم، وارتسمت لوحة الحياة اليومية تدريجيا.

الأولاد كالعصافير يذهبون أسرابا أسرابا متجهين إلى فصولهم الدراسية، العربات مسارعة محملة بالناس لإيصالهم إلى أماكن أعمالهم.

تجمعات من الشباب كالعادة واقفين على أرصفة الطرقات وعلى بداية كل زاوية شارع منتظرين مرور الطالبات والفتيات الجميلات من أمامهم لمغازلتهن.

واختفى (ادهم) في مشهد الحياة بين زحام السكان، لا لم يختفي … هاهو يكتب تاريخ الحي دون أقلام .. هاهو يقوم بإيصال إحدى أخواته إلى مقر دراستها.

الكل ذاهب فيما عدا السكان الجدد .. فأمرهم غريب وعجيب !!

فمنذ قدومهم للحى وهم لا يحركون ساكناً ولا يعملون ، فلا يقومون بشيء سوى الحديث وبحقد عن ذلك الشاب .. (ادهم).

كانت مجموعة من الشباب … وكبيرهم عاد من بلاد الغربة حاملا لشهادة عالية في علم النفس، كان يدعى (شداد).

أما الباقون فقد كانوا لا يعملون.

.(كامل) ، (شاكر) ، (نادر) .. وأصغرهم كان يسمى (إدريس)

نشأ هؤلاء الأخوة الشباب وهم مفلسون إلا من الميراث الذي تركه لهم والدهم ( الشيخ عمران) الراحل منذ سنوات.

ترك لهم بعض الأموال – قبل أن يختفي عن الوجود – تركها في عهدة احد الأشخاص الموثوق بأمانتهم وحكمتهم في الحي إنه ( الشيخ مبارك ).

ترك له وصية كاتبا فيها:

” بسم الله الرحمن الرحيم”

سيدي الشيخ الطيب مبارك

اولادى ما يزالوا صغارا ماعدا شداد .. ابني الأكبر !!.

وأخاف ياسيدى أن اختفى فجأة عن الوجود.. وتتبعثر أموالى ، أو لا يتم الاستفادة منها بالشكل المطلوب ، لذا أوصيك يا (شيخ مبارك) بعدم إعطائهم الأموال إلا بعد سنوات.. حتى يشب الصغار عن الطوق ويحسنوا التصرف ، وعندها فقط اخرج لهم هذه الوصية وقسم فيما بينهم هذه الأموال..

كتبت لك هذه الوصية ، وبشهادة الشهود ، لانى أشعر بان ايامى أصبحت معدودات

والسلام مسك الختام”.

“الشيخ عمران”

عندما أتى اليوم المرتقب والذي فيه سوف يتم فيه تقسيم الأموال حسب الوصية ، فكل من الأشقاء سينال نصيبه.

أموال الوصية ستمكن الأخوة من شراء ارض في الحي ، وسيقيموا عليها مسكنا ، ويصبحوا من سكان الحي الجميل.

..استمر (ادهم) بطموحه المتضاعف دون أن يشعر بأنه قد كان متفوقا على أنداده .. فسر تفوقه هذا هو نشاطه المتجدد..

شاءت الصدف أن يكون (ادهم) محل نقاش هؤلاء الشباب الجدد ، وذلك لأنه لا ياتى يوم إلا و(ادهم) كان قد مر من أمامهم أكثر من مرة دون أن يدرى..

وتناقشوا في تصرفاته .. فوجدوه لم يترك لهم شيئا في اى شيء.

– “ما العمل يا اخوتى!؟”

قالها (كامل) بغيرة واضحة وأضاف بحقد وحسد شديدين:

“أن هذا المدعو (ادهم) لم يُبقِ لنا شيئا لنفعله في هذا الحي .. فإن تصرفاته حقاً يااخوتى .. مزاياه وتفوقه .. اضهرت عيوبنا وبشكل فاضح أمام الجيران ، فما العمل يا اخوتى .. اخبروني!؟”

-). رد (نادر

“إن هذا الأمر يحتم علينا التدبير وبشكل فوري وبذكاء لإبعاد (ادهم) عن هذا الحي بأي طريقة حفاظا على مياه وجوهنا .. أمام سكان الحي.”:

:- قال  ( إدريس) الصغير

“يظن نفسه الرجل الخارق”

-) : قال ( شاكر)

.” أن ما يحيرني هو كثرة الفتيات من حوله وكأنه لا يوجد هناك من هو سواه في هذا الحي”

-):  قال ( إدريس

” معبود النساء ألا ترون!؟ .. إنه معبود النساء”

-) : قال ( كامل

.”لقد نطقت الكلمات المناسبة لما يدور الآن في ذهني …”

.”نعم الفتيات هن الاتى سيقضين على سمعته الحسنة .. ونجوميته في هذا الحي”

:- تسأل الأخوة جميعا وفى آن واحد

“كيف!؟”

-): قال (كامل

اتلاحضوا ياخوتى أن (ادهم) يدخل البيوت جميعها بكل يسر وثقة بل حتى لو لم يكن أولياء أمور سكان البيوت متواجدين!؟.

-) قال (نادر

“اجل، ولكن الفتى يعتبر محل ثقة أولياء الأمور”

-): قال (كامل

“لماذا لا نستغل هذه النقطة في حياة (ادهم) ونجعل منها نقطة ضعف، ومن خلال تردده على البيوت نبذر بذور الشك ونقنع اهالى الحي بأنهم مخدوعين فيه ، وان (ادهم) ليس سوى شيطان صغير متقمص ثوب الملاك وانه محتال كبير قام بخداعهم ، وخان الثقة الممنوحة له منذ زمن بعيد، وأنهم ينامون في العسل … ولا يدرون ما الذي يحدث لهم ولبناتهم.”

” أجل ياكامل اجل “

عبارة رددها الجميع مصحوبة بتصفيق هائل وقهقهة متناثرة..

– وأضافوا:

“يالك من لعين ياكامل”

وبالتالي سيتصرف بردود أفعال طائشة تجعله اقرب إلى الجنون.

وسنشيع عنه الشائعات بأنه مجنون ونفسر تصرفاته تفسير خاطئ لكل الجيران

شرع الإخوة في تنفيذ ماأتفقوا عليه.. فانهالت المشاكل على (ادهم) وأخذت حياته منحى أخر ففقد ثقة أولياء الأمور تجاهه ، وساءت حالته بعض الشيء .. ولكنه تغلب على هذه الظروف باتجاهه إلى تحقيق طموحات أخرى … وبابتسامته المعتادة

كل ذلك يجرى في الحي المقابل دون أن ينتبه احد لما كان يجرى خلف الستار، فقط الأشباح التي تقطن المقبرة المقابلة .. هي من راقبت ذلك فتحدثت بإعجاب عن (ادهم).

***

يتبع: 3- دوائر الأشباح

مقالات ذات علاقة

مرارة الفقد وحلاوة الإنجاز وفرحة العمر

المشرف العام

اعتقال حَلَمة

عائشة الأصفر

رواية الحـرز (ما بعد النهاية) الأخيرة

أبو إسحاق الغدامسي

اترك تعليق