وتسمّرتُ أنا أمام صفحة “سراب”:
المساء ليس رجلا..
سأستدرجه بقَبَسٍ يفضح خُطوَه المُستتر، وجلالة حُضُوره اليحموم، وعينه الهَتُون، لنرقص رقصة المالح، على فراش النزف الحار، ننكث وسائد الوجع، نتعانق تحت لحاف الخيبات ونضحك بجنون. وأخبرك حكايا أطلتْ من وسادتي:
أثناء مرافقتي “نائلة” زوجة أخي إلى أهلها في “الجبل الأخضر”، بعد ولادتها لابنها بشهرين، شكتْ لجدتها الثمانينية بُعدها وحنينها، نامي في العسل يا “نولة”، الله لا ترد أياما مضتْ، في معتقل “الْعقِيلَة”، كانت “مغلية بنت يادم” تُهيء ثديها لصغيرها ذي العام ونصف، عندما سحبها الطلياني من وسط رفيقاتها، وطفليها، وجرها للساحة، وسط صراخهما يتبعانها، يتعثران في خطواتها اليائسة، كتّف يديها وراءَها، وربطها الحَبشي الغليظ على عمود في الشمس، كان الحبل يلتف كأفعى من قدميها الحافيتين حتى استقر على ضلوعها، وسط عويل وصراخ صغيريها، يتطلعان إليها وهي تغرق في الدموع والعرق والقهر، تحني رأسها، تهدىء ذا الأعوام الأربعة ألا يجزع فهي بخير، لكن أخاه الرضيع يتمرغ في التراب، يطلب الثدي، لم يفق من صدمة انتزاع الحضن، (أرفعلي خيّك لَفُوق السّاع يرضع، وتردّه لعماتك)، حاول رفع أخيه للثدي البعيد، يصل بطن الأم المقيدة ويهبط، يئس ويئستْ ولم تيأس الحسرة، مرّ صبي ربما في الثانية عشرة، شيع لها الرضيع، مرتبك ومضطر، أنزله، حرّر الثدي أولا، وأعاد رفعه إليه، قبضه الرضيع بكفيه متعلقا بصدر أمه وهو يمتص حلمته، يتنفس، ويتنفس، ويمتص، توشوشه، وتتمتم “مغلية” لرضيعها ولأخيه وهي في أحلك اللحظات، يتنفس الرضيع ويتنفس، ويمتص حلمته، محمولا على يدي الصبي الشجاع، قبل أن يفاجئه سوط الحبشي فوق ظهره، انزلق الرضيع من بين يديه، وتبدد حليبه في تراب المعتقل، ذاك الصبي الشجاع، كان جدك يا “نولة”، هذي قصة حقيقية، مش خرّافة يا نولة” “.
أخبرني جدك، إن رجلا منبطحا أمام برّاكة تخزين علف الخيل لعسكر المعتقل، والنمل طوابير يعبُر جسده، نبّهتُه للنمل، لم يكترث، ردّ بإن صغاره لم يأكلوا منذ يومين، وإنه ينتظر النملة تخرج منها بحبة الشعير يأخذها، حتى يمتلىء كفّه.
ضمتْ “نائلة” صغيرها إلى صدرها، وبكتْ، وبكيتُ، لكأنها استشعرتْ مقتلها وصغيرها، بقذيفة جلاد عاد بأجنحة طائرة!
إيييه أيها المساء الرفيق، سأقفل وسائدي على علاتها، هبْ لي صدرك ترتاح عليه حروفي، وينام هذياني!
المساء ليس رجلا فلا تسقطك عليه.
ـ بلى إنه أنا يا “لمياء”، ستنامين وحدك في قلبي، متى تصدقين!
ـ ومتى تتوقف “فضل”؟ أنا “سراب”، يا رجلا على لوحة مفاتيح.
_______________________
من رواية: علاقة حرجة.
المنشور السابق
المنشور التالي
عائشة الأصفر
عائشة عمر اﻷصفر.
1956م.
خريجة جامعة قاريونس. بنغازي-فلسفة-1978م.
نشأت وتقيم في سبها ودرست بمدارسها حتى الشهادة الثانوية 1974م. واشتغلت بالتعليم.
تحصلت على وسام الريادة في مجال الطيران المدني كأول امرأة تقود الطائرة في ليبيا ..يناير/1974. وعلى رخصة إجازة طيار خاص / يونيو 1974. وكانت على رأس سرب الاستعراض في الافتتاح بمطار طرابلس 1974م.
مؤسسة لحركة زهرات وفتيات الكشافة بالجنوب الليبي.وشاركت في المخيم الرابع للمرشدات العربيات بالعراق 1972م.وحائزة على وسام الوفاء الكشفي من مفوضية كشاف سبها.
من رائدات الحركة النسائية والعمل الشعبي التطوعي ومحو اﻷمية منذ اوائل السبعينات. وشاركت حينها بالمسح التوعوي لكل مدن وقرى الجنوب من الشاطئ وحتى غات على الحدود الجنوبية.
حضرت العديد من الملتقيات والندوات الثقافية.
قُلدت وسام الدولة (الفاتح) للريادة في مجال العمل الشعبي. فى أول تكريم للرائدات 1989م. والرائدة الوحيدة المتحصلة على وسامي ريادة في مجالين اثنين في ذات التكريم.
عضوة في أول لجنة شعبية للشباب والشئون الاجتماعية.
مشاركة في أول دفعة للمقاومة الشعبية على مستوى ليبيا بمعهد جميلة الازمرلي طرابلس 1972م.
أول مقدمة برامج من الجنوب الليبي في إذاعتي سبها المسموعة والمرئية.
روائية لها خمس روايات: "اللي قتل الكلب 2007م.. "خريجات قاريونس 2007م.. "اغتصاب محظية" سجلت 2008ونشرت 2012م.. النص الناقص 2017.. علاقة حرجة. قريبا.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك