حوارات

الروائي إبراهيم الإمام: نحتاج إلى مشروع وطني شامل يعتني بالإرث المخطوطي في ليبيا

حاوره: مهند سليمان

إبراهيم الإمام الباحث في التراث الثقافي لمدينة غدامس من خلال المخطوطات

تتعدد وتتنوع السبل والطرائق للوقوف على معرفة مستفيضة تُقتفى بها أحداث الأمس التاريخية وتُستجلى من أغوارها السحيقة الصور الاجتماعية والسياسية لمن عاشوا قبل سنوات غابرة،ولعل المخطوطات أحد أبرز مفردات فك شيفرة أحاجي حيوات أسلافنا القدامى،ووسط هذا الخضم تجيء أهمية المخطوطات وقيمتها النفيسة التي تُؤرخ لأخبار الأسلاف ويومياتهم في مناحي الحياة الشتى كرافد تراثي عظيم،وفي هذا السياق يتعرّض ميراثنا وتَرِكتنا من التاريخ لأكبر وأبلغ اهمال كما معظم معالم تراثنا في ضوء تفشي التقاعس الذي صار ظاهرة تارة ولتنامي الجهل بمدى المضامين التي تحملها هذه المخطوطات بين طياتها تارة أخرى .
وللإستطراد حول هذا الموضوع أكثر،إرتأينا أن نجري حوارًا مع الكاتب والروائي الليبي “إبراهيم الإمام” الشهير بأبو إسحاق الغدامسي،لاهتمامه وجهده المحمود في هذا الصدد.

تثرى بلادنا بالعديد من الآثار والمخطوطات النادرة والنفيسة التي كانت ولازالت عُرضة للسرقة وللتلف أو في أفضل الأحوال للإهمال،لاسيّما خلال السنوات التسع الأخيرة،في المقابل قد أشرت في توقيت سابق لتصديك لطباعة مخطوطان للشيخ أحمد العروسي، حبذا لو حدّثتنا بالتفصيل أكثر حول هذا الموضوع؟
تزخر بلادنا بالكثير من التراث اللامادي متمثلاً في الوثائق والمخطوطات القديمة يعاني هذا التراث من الاهمال الناتج عن الجهل بقيمته أولاً وسوء حفظه وتخزينه ثانيًا.
ومدينتنا غدامس ثرية بهذا التراث ويوجد في كل بيت تقريبًا مكتبة تراثية موروثة من الأسلاف…لا تحظى باهتمام أبناء هذا العصر كأسلافنا.
وشرعت منذ أكثر من عقدين بالبحث في مكتبة عائلتنا فوقفت على عظم هذا الكنز فشمرت عن ساعد الجد بالاهتمام به.
حاولت من خلال المناسبات الاجتماعية المحلية توضيح أهمية هذا الموروث للآخرين موضحًا سبل المحافظة عليه والاهتمام به…وقد لمست اهتمامًا من الأقارب بل وتفهمًا وتعاونًا…ففتحت لي أبواب مكتباتهم الخاصة…قمت بترتيب وتصنيف وأحيانًا تجليد بعض هذه المخطوطات.
ومن خلال هذه الرحلة الشاقة والممتعة استخلصت العديد من المخطوطات التي قام بتأليفها علماء وفقهاء من مدينتنا غدامس فقررت اعادة احياءها ووضعها بين ايدي المهتمين والباجثين.
كانت البداية بثلاثة مخطوطات للشيخ محمد العروسي الغدامسي…استطعت بجهود شخصية طباعة إحداها من خمس سنوات وبين يديّ الآن مخطوطين آخرين لنفس الشيخ تنتظر حظها من النشر.
هذا عدا الكثير غيرها تنتظر حظها…عسى الله أن يقيّض لها من يحيها.

شهدنا قبل سنوات قليلة، تحديدًا أثناء استيلاء مجموعة أصولية متطرفة على مناطق واسعة في شمال مالي وقوع الكثير من المخطوطات والوثائق الفريدة بين مخالب السلب والتهريب وكذلك التكفير،ما هي الأليات التي يمكن بواسطتها المحافظة على إرثنا المخطوطي في ليبيا وتلافي الاحتمالات السيئة خصوصًا ونحن نلحظ عدم إلتفات المؤسسات ذات الاختصاص حيال هذا الجانب الهام ؟
ما ينقصنا الوعي الجمعي بأهمية هذا الموروث…علينا أن نسلك كل سبيل ممكن بتوعية أهالينا بهذا الموروث من خلال وسائل الإعلام المختلفة وكذلك من خلال المناهج المدرسية هذا عدا اقامة المعارض والمهرجانات لهذا الموروث…المؤسسات الرسمية مقيدة باللوائح الداخلية وقلة الميزانيات التي تكفل لها التصرف في فض هذا الموروث أما المؤسسات الأهلية فدورها ضعيف وغير ملحوظ…نحتاج لمشروع وطني يهتم بهذا الجانب أسوة بالكثير من دول الجوار على أقل تقدير.

هل برأيك التعويل على مؤسسات الدولة عامل كافٍ لانقاذ ما يمكن انقاذه ؟ لِمَ مثلاً لا يكون لما يُعرف بمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية دور أكثر فعالية في هذا الشأن؟
من الصعب التعويل على المؤسسات الرسمية في ظل الظروف الحالية..لكن يمكنها على الأقل قرع جرس الانذار..فالمواطن هو الحارس الأول والمهم لهذا الموروث،ما نفقده من الوثائق والمخطوطات جراء الاهمال أكثر بكثير مما قد نفقده بسبب التهريب أو الاتلاف المتعمد…المواطن هو الأساس في هذا المشروع لحفظ هذه الثروة.

الوعي ركيزة استراتيجية لا غنىً عنها فهي تُؤسس لأسباب النهوض بالمجتمعات،وتدفع الأفراد والمؤسسات للاضطلاع بمسؤولياتهم الأخلاقية والعلمية تجاه تاريخ آبائهم وأجدادهم،كيف في تقديرك بالإمكان تنمية الحس الحضاري والتاريخي في أذهان الأجيال الطليعية ودرء شبح العبث الذي أصبح له موطئ قدم؟
سبقتنا دول كثيرة في هذا المضمار .. لن نطلب من مسؤولينا اختراع العجلة بل استثمارها فقط علينا الاستفادة من تجارب الاخرين الذين سبقونا والاستعانة بالخبراء المحليين والعالميين في هذا الحقل ضرورة تفرضها الظروف.
إقامة المسابقات والمعارض له دور كبير في توعية المواطنين بهذا الموروث وقد أثبتت التجارب القليلة السابقة ذلك فقط علينا الاستمرار والاسراع .
كما ان للجامعات دور مهم في المحافظة على هذا الموروث سواء باقامة مكتبات لحفظه أو قواعد بيانات أو دعم رسائل الماجستير والدكتوراة في هذا الموروث بذلك تقدم خدمة جليلة واضافة مهمة.

نحن نعلم بأن ظروف صناعة الورق والكتاب في بلادنا ليست على ما يُرام فلطالما عانت طوال العقود الماضية من ويلات التضييق والتأميم والوصاية السياسية،ما يعطي انطباعًا بأن دور النشر على محدوديتها لا تعنيها فكرة تبني هذه المخطوطات وصيانتها،وكأنها مثلاً ليست مدركة لأبعاد هكذا الموضوع هام،ألم تحاولوا التواصل مع جهة ما تتبنى الأمر بجدية كمشروع وطني يحفظ هذا الإرث ؟
نحاول طرق كل باب ممكن نجد ترحابًا واهتمامًا لكن نصطدم دائمًا بالبيروقراطية .. في غدامس بدأ هذا المجال يحظى باهتمام الكثيرين .. فقط تنقصنا الامكانيات لابراز هذا الموروث وحفظه بطرق علمية حديثة وصحيحة .يوجد في غدامس اكثر من جمعية أهلية ومركز توثيق تهتم بهذا الموروث نتمنى أن تنتشر هذه الجمعيات وتحظى بدعم رسمي وأهلي لتنجح في مهمتها.

القاص والروائي إبراهيم الإمام.

كيف بوسع البُحّاث الاستفادة من تجربة الانتفاع بهذه المخطوطات والكنوز والعثور عليها ؟
سبقنا لذلك المرحوم السيد بشير يوشع الذي كان له قصب السبق في هذا المجال بطباعة فهارس للكثير من المخطوطات القديمة التي تعد المرجع الأول لكل البُحّاث في هذا المجال .. نحاول الآن من خلال جمعية غدامس للمخطوطات والتراث وضع قاعدة بيانات الكترونية لكل ما هو متاح من هذه المخطوطات في غدامس على الأقل وقد تكون نواة لمكتبة ليبية كبيرة تضم هذا الموروث في كامل ليبيا.

هل تجد أن فكرة تراجم المخطوطات وإعادة تحقيقها وتنقحيها حلاً مناسبًا لصونها من الإندثار مثلاً؟
طبعًا..هذا احد اهم سبل احيائها وتقديمها في ثوب عصري جميل ليسهل على المهتمين والباحثين الاطلاع عليها.

أبوسعك اطلاعنا على معالم بانورامية للمخطوطان اللذان قمت بطباعتهما مؤخرًا،أين تكمن أوجه ندرتهما تحديدًا؟
المخطوطان صغيران في الحجم،يمكن تصنيفهما في مجال الحديث النبوي والمواعظ.

كلمة أخيرة…
أشكر بلد الطيوب السباق دائمًا والصحفي مهند شريفة على هذه الاطلالة التي نتمنى أن تكون مفيدة.

مقالات ذات علاقة

غالية الذرعاني: الرواية الليبية بخير برغم ظهورها المتأخر.

رامز رمضان النويصري

من ذاكرة المسرح

المشرف العام

أحمد عقيلة: لا أتصوّر ليبيا إلا موحدة

محمد الأصفر

اترك تعليق