(إقرأ) كانت أول كلمة يسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام الوحي وكانت بذلك أول أمر إلهي في آخر الرسالات السماوية قبل أوامر العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج وقبل العقائد من شهادة وتوحيد وقبل الجهاد وقبل كل ما نعرفه ونلتزم به من تعاليم ديننا الحنيف. ولتأكيد أهمية القراءة في بناء ليبيا الوطن والإنسان تأتي بعض الفعاليات الثقافية التي ترسخ القراءة مفهوماً ونمطاً من أنماط حياتنا ينعكس من خلال مانستفيده منها كل أوجل سلوكياتنا وأفعالنا.
جمهور المهتمين بالكتاب والقراءة كانوا على موعد مساء يوم الإثنين الموافق 2014.06.23م لقضاء أمسية جميلة بين جدران القاعة العلوية لدار الفقيه حسن للثقافة والفنون حيث أشرفت مؤسسة (آريتي للثقافة والفنون) على التجهيز والإعداد لهذه الأمسية وهي الثالثة ضمن سلسلة (قرأت لك) بجهد مميز من الكاتب والأديب (إبراهيم حميدان)، حيث اختارت أن تستضيف كلاً من الكاتبة) ليلى المغربي) والشاعران) أحمد سمير الشارف) و(حواء القمودي) والقاص (مفتاح قناو) والفنان (على العباني).. والذين قاموا بتعريف الحضور على اهم ماشدهم من كتب أوأشعار أوقصص قرأوها ورغبوا في إطلاع غيرهم عليها ليصلوا بعد قراءتها لنفس المعلومة والفائدة التي وصلوا هم إليها قبلهم ومن خلال القراءة.
بدأت الأمسية عند الساعة 6:40 مساءً وتواصلت حتى صلاة المغرب، واستهلتها الكاتبة (ليلى المغربي) بعد ان تولى تقديمها كما كل المشاركين الأستاذ (ابراهيم حميدان).. وتحدثت عن موضوع التنوير حيث اختارت تعريف الحضور به عبر سرد مقتطفات من كتاب (معارك التنويريين والأصوليين في أوربا) وكتاب (الإنسداد التاريخي وفشل مشروع التنوير في العالم العربي) وكلاهما للمفكر والأديب السوري (هاشم صالح)، كما اختارت مقتطفات من (فرسان بلا معركة) للأديب والكاتب والمفكر الليبي (الصادق النيهوم) الراحل في سنة 1994م.
المشاركة الثانية كانت للشاعر (أحمد سمير الشارف) حفيد شيخ الشعراء صاحب القصيدة الشهيرة (رضينا بحتف النفوس رضينا) والتي يقول مطلعها:
رضينا بحتف النفوس رضينا
ولم نرض أن يعرف الضيم فينا
ولم نرض بالعيش إلا عزيزا
ولا نتقي الشر بل يتقينا
وبإلقاء جميل ولغة شعرية رائعة اختار الشاعر قصيدتي (سيناريوجاهز) و(كلمات سبارتكوس الأخيرة) للشاعر الراحل (أمل دنقل).. ونذكر من قصيدة (سيناريوجاهز):
لنفترضِ الآن أَنَّا سقطنا
أَنا والعَدُوُّ
سقطنا من الجوِّ في حُفْرة ٍ
فماذا سيحدثُ؟
سيناريوجاهزٌ
في البداية ننتظرُ الحظَّ
قد يعثُرُ المنقذونَ علينا هنا
ويمدّونَ حَبْلَ النجاة لنا
فيقول: أَنا أَوَّلاً
وأَقول: أَنا أَوَّلاً
وَيشْتُمني ثم أَشتمُهُ
دون جدوى،
فلم يصل الحَبْلُ بعد
يقول السيناريو
سأهمس في السرّ:
تلك تُسَمَّي أَنانيَّةَ المتفائل ِ
دون التساؤل عمَّا يقول عَدُوِّي
أَنا وَهُوَ،
شريكان في شَرَك ٍ واحد ٍ
وشريكان في لعبة الاحتمالات ِ
ننتظر الحبلَ… حَبْلَ النجاة
لنمضي على حِدَة ٍ
وعلى حافة الحفرة ِ – الهاوية ْ
إلي ما تبقَّى لنا من حياة ٍ وحرب ٍ
إذا ما استطعنا النجاة
أَنا وَهُوَ،
خائفان معاً
ولا نتبادل أَيَّ حديث ٍ
عن الخوف… أَوغيرِهِ
فنحن عَدُوَّانِ…
ماذا سيحدث لوأَنَّ أَفعى
أطلَّتْ علينا هنا
من مشاهد هذا السيناريو
وفَحَّتْ لتبتلع الخائِفَيْن ِ معاً
أَنا وَهُوَ؟
يقول السيناريو:
أَنا وَهُوَ
سنكون شريكين في قتل أَفعى
لننجومعاً أَوعلى حِدَة ٍ
ولكننا لن نقول عبارة شُكـْر ٍ وتهنئة ٍ
على ما فعلنا معاً
لأنَّ الغريزةَ، لا نحن،
كانت تدافع عن نفسها وَحْدَها
والغريزة ُ ليست لها أَيديولوجيا
ولم نتحاورْ،
تذكَّرْتُ فِقْهَ الحوارات
في العَبَث ِ المـُشْتَرَكْ
عندما قال لي سابقاً
كُلُّ ما صار لي هولي
وما هولك ْ
هولي
ولك ْ
وجاءت المشاركة الثالثة من المحامي والقاص الأستاذ (مفتاح قناو) الذي صدرت له مجموعة قصصية بعنوان (عودة القيصر)، حيث اختار في الأمسية نصوصاً للشاعر والأديب الليبي الراحل (لطفي عبد اللطيف) منوهاً بأنه لم يأخذ حقه من البحث والدراسة والإهتمام وأنه كان من فرسان الكلمة والجملة الشعرية القوية والغنية بالتفاصيل والجمال، وانسابت كلمات ونصوص وقصائد غاية في الجمال هي (أزمنة الحضور والغيبة) و(قراءة في الأنا) و(في وجوه العملات) و(دساتير السلب) و(حدث الحزن قال) وزادها حسن الإلقاء جمالاً وحضوراً حضرت معه روح الشاعر للقاعة رغم رحيلها عنا منذ أبريل 2006م، وفي قراءة عن قصيدة (دساتير السلب) يقول القاص (مفتاح قناو):
(في قصيدته دساتير السلب ينبه الشاعر (لطفي عبد اللطيف) إلى أهمية الدستور في حياة كل الشعوب، وان ليبيا في حاجة إلى دستور لكن ظروف الواقع الليبي الصعب في ظل نظام الدكتاتورية العسكرية الحاكمة في ليبيا هي التي ولدت نوع آخر من الدساتير هي دساتير تسلب الشعوب حقوقها في الحرية الحقيقية والكرامة وتعطي الفرصة للحاكم الفرد أن يطغى، وان مثل هذا الإنسان مسروق عمره بالكامل لمصلحة الحاكم الظالم، ويشبه الشاعر حال الوطن الليبي بالعش الذي تسقط به أغصان الشجرة ويقع على الأرض، فأين يمكن لعصافيره أن تبيت وأين يذهب المواطن الليبي. ويتساءل الشاعر هل توجد معجزة يمكن أن يجتاز إليها هذا البحر حتى تهدأ أعاصيره، ثم يصف الحالة المتردية لهذا العالم بأن معايير الظلم فيه مازالت مستمرة وأن الأساطير التي تحكمه كما هي، وتنابلة السلطان وسدنته وقواريره هم المسيطرون، وأن كل شيء للحاكم فقط وان العير وهي رمز تجارة القوافل “السلطة المالية” هي عير السلطان، وانه بعد أن سرق كل هذه الثروة، سرق عمرك أيضا لكي يعتاش عليه وتدور عليه آلاته ونواعيره الضخمة.. ونورد هنا بعضاً مما جاء في القصيدة:
مسروقٌ من عمرك انسانْ
مَمْحوٌّ حلمُك تفسيرُهْ.
مسحور من نعليك السيرُ إلى الإمكانْ
تتناءى عنك مشاويرُهْ
مأخوذٌ منك، كثيرٌ منك
ولا غفرانْ،
كالصبح تموتُ تباشيرُهْ…
ويلٌ للوارثِ، ضاعت حجتُّهُ
والوزنُ تخون معاييرَهْ..
عُشٌّ تنهالُ به الأغصانُ
فأين تبيتُ عصافيرُهْ…؟
فَرَحٌ مُقْتَلَعٌ من غفلاتِ النَّخَّاسين
وليس لديك أساريرُهْ…
أَتَبقَّتْ معجزةٌ تجتازُ إليها
هذا البحرَ،
فتهدأ فيك أعاصيرُهْ؟!
مازال العالمُ
ـ رغم بديعَ تَجَدُّدِهِ ـ
تتحكُم فيه أساطيرُهْ…
مازال تنَّابلةُ السلطانِ
وَسُدَّتُه وقواريرُهْ
مازال الخِصبُ له، والعيرُ إذا حمِّلتْ عِيرُهْ
مسلوبٌ عمرُك كي
يعتاش به، وتدورَ عليهِ
نواعيرُهْ!!!
وقد عرج بنا القاص على شيء من ذكرياته الشخصية مع صديقه الشاعر (لطفي عبد اللطيف) حيث كانا يلتقيان في جلسات غير مبرمجة مع غيرهما من الكتاب والأدباء بمقاهي طرابلس وخلال إحدى هذه اللقاءات عندما دخل الأستاذ (مفتاح قناو) للمقهى ووجد صديقه جالساً وسأله عن حاله فأجابه (فراغ وضيق وأول أخبار يومك نفس الطريق وآخر أخبار يومك ما لا تطيق) فاستحسن ذلك ولمس فيه بوادر قصيدة بلغة ومعانٍ جميلة ومعبرة وسأله البقية فأرجأه الشاعر وبعد فترة اتصل به ليسمعه بقية القصيدة التي ولدت بالصدفة كإجابة عن سؤال عن الصحة والحال، وهي (في وجوه العملات) وونورد هنا بعضاً منها:
فراغ ٌوضيقْ
وأوّلُ أخبار ِيومكَ
نفْسُ الطريقْ.
وآخرُ أخبار ِ يومكَ…
لاشيء ممّا تُطيقْ.
نهارُكَ والليل
وجهان ِ
والعُملةُ الصّبرُ
والسوقُ توّاقة ٌللرقيقْ
فماذا التحرر بين الرحى والحصيد
وتنّور حرق ِالنوى والدقيقْ
وماذا؟
وبين المجاديف ِوالموج ِ
لا حولَ للبحر ِ لا للغريقْ
نهارُكَ عاداكَ
أمسُكَ أضنى
فهل غدُكَ الـ ترتجيه صديق ْ؟
وفي كفِّ مَنْ حظُّ كفّيْكَ أُلقي
وأيُّ السبايا عليها أُريقْ؟
وكلّ المرارات ِتاقت إليكْ
فهل لم يزلْ فيكَ يا حلْقُ ريقْ؟
الشاعرة (حواء القمودي) اختارت ضمن مشاركتها أن تقرأ مقتطفات من كتاب (اختلال العالم) للأديب والصحفي اللبناني (أمين معلوف) والصادر عن دار الفارابي سنة 2009م ونصحت بقراءته لأنه يترجم بعضاً من الإختلالات التي نراها اليوم حتى على المشهد الليبي، ويخلص الكتاب إلى أن عالمنا اليوم يعيش ثلاثة اختلالات، أولها ثقافي يتصل بصراع الهويات، فيقول (ما آخذه على العالم العربي اليوم هوفقر وعيه الخلقي، وما آخذه على الغرب هوميله الى تحويل وعيه الخلقي الى اداة للسيطرة) وثانيها إقتصادي وثالثها بيئي ويسببه (الإحتباس الحراري) كخلل ناتج عن الإختلالات السابقة وغيرها والذي سيشكل مع الزمن التهديد الحقيقي لإستمرار الحياة على كوكبنا. وأوردت الشاعرة بعضاً مما ذكره الأديب والمفكر الراحل (ميخائيل نعيمة) حول المكتبة وختمت بمقتطفات للراحل (الصادق النيهوم) حول القراءة.
مسك الختام حمل توقيع الفنان (علي العباني) ليس بالريشة وإنما بسرد جميل وإلقاء رائع من مختاراته من كتاب (قطرات من حبر) للكاتب الليبي (يوسف القويري)، حيث رأى في الكاتب أنه واقعي ويشبه في طريقته في الكتابة الواقعية والدقيقة والتي تجيد الوصف والتوصيف أفضل كتاب الغرب وهوالقائل عندما انتقد المجتمع الجاهل: (ان المجتمع المتخلف المغلق يقذف طلائعه الثورية نحوالمنفى النفســى..).
يذكر أن (مؤسسة آريتي للثقافة والفنون) منظمة مجمتع مدني ليبية غير هادفة للربح تسعى لترويج الإبداع الفني والتبادل الثقافي بداخل ليبيا، ومع الدول المجاورة لها، وقد سبق أن أقامت أمسيتين من سلسلة (قرأت لك) العام الماضي وحضرها جمهور كثيف من محبي الأدب والفنون والثقافة.
كما يذكر أن تقرير (التنمية الثقافية) الذي تصدره (مؤسسة الفكر العربي) في نسخته المقدمة لمؤتمر (فكر) في دورته العاشرة التي عقدت في (دبي) قد بين أن متوسط قراءة الأوربي يبلغ حوالي (200) ساعة سنوياً مقارنة ب (6) دقائق سنوياً للعربي ووصف نسبة القراءة لدى العرب بالمخيفة والكارثية.