السبت, 5 أبريل 2025
المقالة

هل غادر الشعراء من متردم؟

مبدع آخر..  يلتحق بالركب المسافر

الأديب خليفة التليسي.
الأديب خليفة التليسي. | الصورة: عن الشبكة.

هكــذا تــمر الأيـــام… تعــبــر الســـنــون جــســر الـعــمــر الـمــمــتــد عــبـر ردهــات الـزمــان… تـتـقـافــز الـمـشـاهــد والــذكــريــات… تـتـداخـــل الـصــور المـكـتـظـة فـي خــضـم مـتـزاحــم مــن الأضـــواء.. الـبــارقــة حـيـنـا.. والمـتــخــافـتـة أحــايـيـن أخـــرى.. كــومــيــض الـبــرق حـيــن يـخـطـف الأبـصــار.. يـبـقـى لـذلك الــومـيـض خـفـقـه وتلألؤه مســحــة في العــين إذ نـظــرت.. مــن هــول مطــلّـع مــا يــقــع مـن لـعـلـعـة تــأتـى بــعـــد حــيـن.. لـتـقــول فـي خــفــق هــامـس ودفــق خــافت ولحــظــة غــيــر محـسـوبــة مــن عـمـر الـزمـــن.. وداعـــا.. وداعـــا قــامــة أخــرى فـي سـمــاء الإبــداع.. تـعـجـز الكـلمـات عــن الـحــديث الــذي يجــتــاح الـنـفــس.. يحــتــاج نـــدوات ومحــاضــرات ومنــاظــرات… تـقـف الـحــروف عــاجــزة عــن تـسـطـيـر الـصـفـحـات.. تـنــوء الـكــتـب مــن ثــقــل كــواهـلهـا جـــرّاء أرتـــال المــعـانـي الـضـخـمــة والأحــمــال الـتـي تــنــوء بـهـا الـجــبـال مــن الأفـكــار والأقــوال.. وفـجــأة تـتــوه دفـــة الكـلمـات.. تـتـطـايـر الـعـبـارات.. يـنـفـرط عـقـد الجـمـل.. فــلا تـجــد مــا تـصــف بـــه الـموقــف.. فـالموقف عصـيب.. الموكب مهـيب.. والخـطب رهـيب.. انـطـفـأت شـعــلـة أخــرى مــن مـشـاعـل الـثـقـافـة في بــلادنـا.. نــور جــديــد يخــبـو.. ظــل ثمـانـين حــولا يـضــيء سـمــاء الأدب والـعـلم.. اسـم عــلم.. وعـلم اسم من أعــلام البـــلاد.. عــاش حيــاتــه مكــرّســا جــهــده ووقــتــه لـهــذا الـوطـــن.. تسمـو الفــعـال وتـربــو الـخــصـال.. والــعـمـر يـمـتـد.. يخـطو خطـاه في لجــج الآمـــال.. الطمــوحــات المـرســومــة لــواقــع أزهــى يـحــفــل بـالـتــألــق والإبـــداع فـي فــضــاء الـســمو الإنســـاني.. كيــف يمــكن أن يـعــرّف ؟..كيـف يـتسنى أن يوصّـف؟.. لا يمكن أن يـعــرّف إلا مــن خــلال مــا تــشــد بـــه الـعــزائــم لــتــخــوض فــي بـحــار الكــتب الــزاخــرة بــالمــعــرفــة والأدب.. تـلك الــتي أمـضـى حـيــاتــه فـي نــســج خــيــوطــهــا ولــظــم صــفــحــاتـهـا عــبــر أحــقــاب مـتـفـاوتــة.. عــاصــرتـهـا حــيــاتــه الـتي لــم تــعــرف لـهـا هـــدوء ولا ارتــيــاحــا إلا بين أكــوام الــورق ونــزيــف الـحــبـر… خليفة محـمد التليسي.. اســم تـقـتـرن بـــه لـيـبـيـا ويـقـتـرن بـهـا.. هــل هــو خــليـفـة الـشـاعــر؟.. أم هــو خـلـيـفـة الـمـؤرخ ؟.. أم هـو خـليـفـة الـمـترجـم ؟.. أم هو خـليـفـة المعجمي ؟.. أم هــو.. أم هــو.. هــذا قــلـيـل مــن كـثـيـر يـقـال بـحــق هــذه الـقـامـة الـسـامـقـة.. ((وقـف عـلـيـهـا الـحـب)).. قـصيــدة تـتـغـنـى بحـب البلاد.. ترددها القـلوب قـبــل القــرائـح.. وقــف علــيـهـا حــيــاتــه.. وقــف عــليهــا بـعــد الـحــيــاة مـمـاتــه.. ووقــف علــيـها بـعــد المـمـات رفــاتــه.. كفـى بـهـا حــبـا.. حـسـبـنـا منـهـا بـيـتـان.. يـنـقـشـان حــروف الــعــشــق فـي كــل وجــدان.. يـشـعـر بـإحـسـاسـه ووجــوده كــل إنـسـان.. يـنـتـمـي لـتـرابــه الــعـزيــز.. وتـرخــص مــن أجــلـه الأبــدان.. تـفـديـه الأحـبـة والخــلان.. فـعمـا يكـون الــذود إن لــم يكــن عــن الأوطــان.. مـسـقـط الــرأس ومـثـوى الـجـنــان ؟.. لـيــس هــنــاك أي تـعـبـيـر.. لـيـس هـنــاك أي تـفـسـيـر.. الـوقـت قـصــيـر.. والـعـمـر يـسـيـر.. والأيـــام تـنـسـل مــن بـيـنـنـا وتـخــطـف الأســمــاء.. دونـمـا نــذيــر !.. مــرة أخـــرى تــتــوه الــدفــة.. تــهـرب مـرســاة الحــديـث.. فلا تـعــرف مـنــه الـضــفـة..  فـالبـحــر شـاسـع مـالـه مــن مـحـيــط.. والأمــواج ضــاريــة.. والأعـمـاق سـحـيـقـة.. فـأيـن تكـون الوجـهـة.. أيـن يكـون المــسـار.. أسـئـلـة كـثـيـرة وخـواطـر حـسـيرة.. تحـاصـر الـوجــدان والـفـكــر.. في خــضـم مــن الـعــبــر.. لا نـجــد أنـفـسـنـا إلا ونـحـن نـودع الـمـبـدع تلـو الآخــر.. في قـطـار الإبــداع المـســافـر.. نكــتب الكلمات التـأبـيـنـيـة.. نـستـمـطـر الـرحــمـات الـسمـاويــة.. ونكــثـر الدعـوات الابـتـهـالـيـة.. ونـعـود مـن جــديـد.. نخـمـن مـا الــذي يـخــبـئـه الـبـعــيــد ؟.. مــن يـنـتـظــر الـتــأبـيـن لـيكـون مـوضــوعــا يـسـتـحــق الاهــتـمـام.. يـستــحــوذ عــلـى الأقـــلام.. تـعـــدد الـمـآثــر لـتـنـسى الآلام.. وهــا هــي الـســاعــة قــد حــانت لـنـفـيـق مــن هـــذا الـمـنــام.. فـنـجـــد الـخـــطـب قــد وقــع.. والـكــل قــد ســمــع.. فـمـا الــذي يحـــدث بــالـضــبـــط ؟.. قــيـــل أن الــتــلـيـسي قــد غـــادر هــــذا الــعـــالــم.. لـكـــنــه لــم يــغـــادر الــقــلوب.. لـم يـغــادر الـكـتـب.. لـم يـغــادر الـقــوافــي والـقــصائــد الـتي تـتـغـنى بـعـشـق دفـيـن لـهـذا الـوطــن.. ربـمـا نـودع الآن.. لكننا حـتـمـا سنـلتـقي.. هـنـاك نجــدد عــرى المـوثـق.. ونحـتـفـي بـالخــلود لهـذا الوطـن.. ولـكـل مـن كـتب عـنـه مـلاحـم النـصــر.. وسيمفونيات العـشـق.. وسكـب من أجــلـه حبــات العـــرق.. ورهــن حــيـاتــه لتـكـون مـعـنـونـة بـاسمـه.. لـيـبـيـا هـي حـب الـجـمـيـع.. هـي الـنـبـع الـصـافـي والـحــنـان الدافئ.. هي الأم التي تـلـد الـفــخــار.. وتـنـجـب الأخــيــار.. فـلــن تـعـجــز هـــذه الأم عــن إنـجــاب المــثـائـل والنـظــراء… لمـن عــاشــوا حـبـهـا بـصــفــاء.. وتـنـسـمـوا عـبـيـرهــا ورخـــاءهــا الـمـعــطــاء.. نـقـف لحــظـة صــمت ونـسـأل الـمــولى فـي تـضــرع أن يـرحــم فــقــيـد الوطــن والأدب والكــتـب.. وأن يـعـوضــنـا فـيــه خـــيــرا .. فـهـكــذا حـــال الــدنـيــا.. ولا راد لـقــضــاء الـلــه.. فــالحــكــم لــه..  وإلــيــه الـمـــآب.. ولا حـــول ولا قـــوة إلا بـالـلـه.


هذه المقالة نشرت في أسبوع وفاة الأديب الكبير خليفة التليسي وكانت ضمن ملف مخصص عن المرحوم في أسبوع وفاته الذي كان في يوم 13/ 1 / 2010

مقالات ذات علاقة

ركود

عبدالقادر الفيتوري

كلام فى الكتابة

رشاد علوه

سويعات وأي سويعات

زهرة سليمان أوشن

اترك تعليق