ـــ قال محدثي متسائلا: لماذا لم يطلب السيد حسن نصر الله من حكام العرب مد يد العون والمساعدة.. وهو يخوض نيابة عنهم “الحرب السادسة” مع اليهود كما أسمتها الجزيرة.
ـــ قلت له: حزب الله لا يخوض هذه الحرب نيابة عنهم وحدهم.. بل عن الأمة بأسرها.
ـــ قال: فلماذا إذن خاطبهم بهذه العبارة القاسية: “فكـّوا عنـّا” التي قطعت كل وشائج التعاون الممكن من أجل محاربة أعداء الأمة.. هل تخدم هذه العبارة القضية التي يناضل من أجلها.
ـــ قلت: ليس ثمة تعاون ممكن.. فقد جربهم وخبرهم طيلة هذا الصراع المرير.. ومن هنا فلقد قالها مجلجلة قوية.. باختصار شديد وبوضوح تام.. لا نريد سيوفكم ولا قلوبكم.. “بس.. فكـّوا عنـّا”.
“فكـّوا عنـّا” يا صاحبي.. جملة صادقة ومعبرة.. قالها الرجل والألم يعتصر قلبه.. بعدما تحولت مواقفهم من خطب الإدانة والشجب والاستنكار.. إلى تقديم المبررات والذرائع للعدوان الصهيوني.
قالها.. بكل أسف ومرارة بعدما تقاعسوا كعادتهم دائما.. ورضوا عن طيب خاطر بأن يكونوا مع الخوالف.. لا بل مع أعداء الأمة في وضح النهار.
قالها.. لأنهم لم يركنوا هذه المرة – كما هي عادتهم دائما – إلى ذلهم وهوانهم.. ولم يلوذوا بصمتهم المطبق.. الذي لا يكسره سوى صرخات الإدانة المفتعلة وخطب الشجب والاستنكار.
قالها يا صاحبي.. بعدما احتجوا على أسر جنديين من جنود العدو.. ولم يحركوا ساكنا من أجل إنقاذ الآلاف من المدنيين، من النساء والشيوخ وحتى الأطفال، الذين اقتيدوا من بيوتهم إلى المعتقلات.. ومنهم من قضى في سجون الاحتلال ما يقرب من ثلاثين عاما.
قالها.. بعدما وصف أحدهم أسر الجنديين “بالمغامرة” وطالب آخر بوجوب احترام سيادة الدولة وهيبة السلطة.. وكأن حزب الله قد أعلن الحرب على الدولة اللبنانية.. لا على جيوش الاحتلال.
قالها.. وقد برر ذاك خنوعه بعبارات طائفية مقيتة.. وهو ذاته الذي لم يمانع في مناصرة جيوش التحالف في غزوهم لبلد عربي شقيق وفي الجوار منه.
والأنكى من ذلك كله ــ يا صديقي ــ أن يدعي آخر التعقل والحكمة، ويطالب بتسليم الجنديين، وإنهاء المشكلة والعودة إلى الهدوء.. فقط لأنه وفي مثل هذه الظروف.. لا يستطيع أن يفكر جيدا.
أيها الحكيم العاقل.. ما الذي منعك من التفكير بأحوال الأمة كل هذه السنوات الطوال.. طيلة ربع قرن أو يزيد.. من سنوات حكمك الميمون.
وأخيرا قلت لمحدثي.. أتدري بما تذكرني هذه الجملة المعبرة : ” فكـّوا عنـّا “… ؟
قال : بماذا تذكرك.. ؟
قلت : تذكرني بحكاية الثعلب والدجاج الذي أصابه المرض في مرابضه.
وتساءل محدثي ــ الذي كان متشوقا لسماع الحكاية ــ على طريقة ” كليلة ودمنة “.. وكيــف حــدث ذلك..؟
قلت : سمع الثعلب بخبر المرض الذي أصاب الدجاج في حظائره.. فادعى الطب ولبس معطف الحكيم وعلق السماعة حول رقبته.. وتوجه إلى حظيرة الدجاج .. صحبة طاقمه الطبي المكون من مجموعة من الثعالب الجياع.. وطرق عليهم الباب.. وتساءلت جموع الدجاج :
ـــ من الطارق.. ؟
قال الثعلب : افتحوا.. أنا الطبيب.. جئت صحبة مجموعة من الممرضات كي نعالجكم من المرض الذي أصابكم.
ونظروا من ثقب الباب.. ورأوا الطبيب يقف بكامل هيئته.. بمعطفه الأبيض وسماعته ونظارته التي تغطي عينبة المخيفتين.. وكادوا أن يفتحوا لهم الباب.. لولا أن أحدهم صرخ : ــ لا تفتحوا لهم.. إنهم مجموعة من الثعالب.
ــ مجموعة من الثعالب.. تساءلت جموع الدجاج باستغراب شديد.
ــ نعم إنهم مجموعة من الثعالب تضمر الشر لكم.
ــ وكيف عرفت ذلك.. ؟
ــ انظروا إلى ذيولهم.. التي تتدلى من تحت معاطفهم.
ونظروا من ثقب الباب.. وشاهدوا ذيولهم الكريهة التي لم يستطيعوا إخفاءها.
وتوالت بعد ذاك الطرقات على الباب.. ونادى الثعلب بصوته الجهوري :
ــ افتحوا الباب.. ستكونون أحسن حالا.. لو شربتم هذا الدواء.
وردت عليه جموع الدجاج وبصوت واحد :
ــ يا معشر الثعالب سنكون أحسن حالا لو غربتم عن وجوهنا.. لا نريدكم ولا نريد دواءكم.. فقط دعونا وشأننا.
قال محدثي.. وبمعنى آخر : ” فكـّوا عنـّا ” لا نريدكم.. ولا نريد سيوفكم ولا قلوبكم.. سنكون أحسن حالا لو غربتم عن وجوهنا.. أليس هذا ما يعنيه السيد حسن نصر الله.
قلت : نعم هذا ما يعنيه تماما.. ثم همست في أذنه.. أرجو ألا تخبر أحدا بذلك.
كتبت ونشرت هذا المقال ببعض المواقع الإلكترونية.. أثناء الحرب السادسة مع اليهود عام: 2006.. وأعيد نشرها هنا مرة أخرى.. بمناسبة إغتيال السيد حسن نصر الله.. بعد صراع المرير مع الصهابنة وأعوانهم من حكام العرب.