المقالة

أكبادنا تمشي على البحر

هنا ليبيا

من أعمال التشكيلي.. معتوق بوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق بوراوي

 
قصة الطفلة ساجدة عبد الحكيم الشائبي تدشن مرحلة جديدة من مراحل انهيار حلم الرفاهية والعدالة الذي كان من أبرز شعارات ما يعرف بثورة فبراير 2011، فر بها والدها عبر البحر من جحيم الحروب والخذلان وفقدان الأمل، وشبه انعدام الرعاية الصحية واندثار أمل فرصة العلاج عبر القنوات الإدارية الطبيعية، مغامراً لعله يصل لشط أوروبا لإسعافها من السرطان والموت المزروع في حقول الوطن.
 
ساجدة من مواليد 2012 بمدينة صبراته، أصيبت بمرض السرطان مما دفع أسرتها لبذل المال والوقت فقط لمحاولة إنقاذها من شر هذا الداء؛ ولكون الوضع الليبي في المجال الصحي اليوم في أسوأ حالاته، فقد أنفق أهلها ما يملكون على عمليات التخلص من المرض في تركيا، فأجري لها تدخلات طبية وعملية لزراعة النخاع الشوكي لم يقدر لها النجاح، مما جعلها بحاجة ملحة ومستمرة للتبرع بالدم. وعندما لم يعد والدها متمكنا من دفع نفقات علاجها رجع بها إلى ليبيا. لم يوفق عبدالحكيم الشائبي للحصول على فرصة لعلاج ابنته في إحدى الدول المتقدمة رغم محاولاته، فقرر أن يهرب بحبة قلبه عبر البحر كما يفعل المغامرون من المهاجرين غير الشرعيين، في فرصة واحدة وأخيرة للتشبث بحب ابنته ورغبته في أن تبتسم لها وله الحياة، وتوفقه الرعاية الإلهية – وهو ما كان – فبعد 32 ساعة من الوجل والتعب والخوف التقطتهما قطعة بحرية إيطالية كانت تقوم بدورية قبالة السواحل الليبية، وحملتهما إلى الجنوب الإيطالي، وبعث بعد ذلك الأب بصور طفلته وهي تتلقى الرعاية والعلاج هناك.
 
قصة ساجدة ونتائج الرحلة الإيجابية رغم الخطورة الشديدة شجعت الحاج مسعود الخطابي (65 عاما) على أن يكرر تجربة الشائبي ويركب قاربا للهجرة عبر البحر ليحمل ابنه المصاب بالسرطان، الذي يئس من علاجه في وطنه ويتوجه به إلى إيطاليا، وتكللت الرحلة بالنجاح كسابقتها.
توالت حالات اللوذ بالبحر للهروب من جحيم الواقع الليبي، فصارت الأخبار والصور والفيديوهات تتوالى حول هجرة شباب ليبيين في عنفوانهم من شرق ليبيا وغربها وجنوبها عبر زوارق الموت نحو أوروبا طلبا لأوضاع معيشية أكثر إنسانية، بعد أن كان من الأمور النادرة الحدوث.
 
هذا يرسخ أن ليبيا كدولة انحدرت إلى مصاف الدول الفاشلة، والتقارير الدولية عن المشهد الليبي كما هي الوقائع تتحدث عن تأخر ليبيا في قوائم حقوق الإنسان وتحقق أدنى مستويات الحياة الإنسانية وتقدمها في قوائم الانهيار والتحول إلى البدائية.
 
أن يتحول سقف مطالب الناس في ليبيا من التقدم العلمي والتطور والعمران فكرياً وبيئياً وتأهيل البنية التحتية وتوفير فرص التدريب واستكمال الدراسة العليا وامتياز القطاعات الخدمية ووضع دستور وحماية النظام الديمقراطي؛ إلى تحصيل جزء من الراتب الشهري وعدم انقطاع الكهرباء لأكثر من 6 ساعات يوميا، وتوفر الأمن في جوار البيت مع استحالة توفره في كل المدن وخارجها.. والحد من ظواهر خطف الأطفال طلبا للفدية والقتل دون سبب وتعذيب المواطنين وتوفير التطعيمات الأساسية والمواد الغذائية غير منتهية الصلاحية.. والاكتفاء بثلاث حكومات، يؤكد الكارثة التي وقعت في ليبيا بسبب أطماع وجنون ووحشية وتطرف قطاع كبير من أبناء هذه البلاد، التي وقعت من رافعة القيم إلى وادي الدم والنزاع والمغالبة والإرهاب برعاية دولية للأسف.
 
في القادم من الأيام، ومع بوادر وإرهاصات حرب أهلية مدمرة في ليبيا، ستزدهر تجارة الهجرة غير القانونية.. سيكون أغلب المهاجرين للأسف هم ليبيون، بينما ستظل المليشيات وكهنة الكراهية والتحريض ملوك تراب ليبيا المقدس. سيحرقون الحرث والنسل وحتى أطفال غيرهم وأطفالهم فقط ليحكموا ويسيطروا ويحققوا شذوذ العقيدة والفكر وهواهم الثوري الأعمى كما فعل سلفهم القذافي من قبل.. قبل أن يحرقوا بعضهم وأنفسهم ويقعوا في شر أفعالهم وقبر قلوبهم الحاقدة، ولات حين مندم!
 
 

مقالات ذات علاقة

قرقارش ولا شيء غير قرقارش

خالد درويش

ليبيات مبدعات.. أصوات وصمت

أسماء الأسطى

الأدب.. وصراع الأسئلة

عبدالسلام الفقهي

اترك تعليق