أَلا يا صَحبي، هَلْ سَمِعتُم بِذي غُربَةٍ أَضناهُ النَّوى وَالبُعادُ؟
أَنا ذاكَ الغَريبُ، أَجوبُ الفَيافي، وَأَقطَعُ البِيدَ، وَالهَمُّ لي زادُ
تَرَحَّلتُ عَن أَرضٍ أَلِفتُ رُبوعَها، وَفارَقتُ أَهلًا كانوا لي عِمادُ
فَصِرتُ كَغُصنٍ جَفَّهُ الهَجرُ وَانثَنى، وَأَمسى غَريبًا بَينَ أَشجارِ وادِ
أُناجي النُّجومَ في لَيلي الطَّويلِ، وَأَسأَلُها: هَل لِلغَريبِ مَعادُ؟
فَتَبكي لِحالي، وَتَذرِفُ دَمعًا، كَأَنَّ النُّجومَ بِحالي تُنادي
وَيا رُبَّ بَرقٍ لاحَ مِن أَرضِ أَحبابي، فَهِجتُ لَهُ شَوقًا وَزادَ سُهادي
أَيا بَرقُ، هَل زُرتَ الدِّيارَ الَّتي بِها، تَرَكتُ فُؤادي راهِنًا لِفُؤادِ؟
وَيا ريحُ، هَل حَمَلتِ عَبيرَ أَحِبَّتي، وَنَفحَةَ أَرضٍ كُنتُ فيها أُنادي؟
فَإِن كُنتِ قَد جِئتِ مِن تِلكَ الرُّبوعِ، فَبَلِّغْ سَلامي، يا نَسيمَ البَوادي
غَريبٌ أَنا، وَالدَّهرُ أَغرَبَ قِصَّتي، فَصِرتُ حَديثًا بَينَ كُلِّ الِبلادِ
أَسيرُ وَلا أَدري إِلى أَينَ وِجهَتي، كَأَنّي سَحابٌ تائِهٌ في البِعادِ
وَكَم مِن لَيالٍ بِتُّ أَرعى نُجومَها، وَأَحسِبُ أَنَّ الصُّبحَ لَيسَ بِبادِ
وَكَم مِن صَباحٍ قُمتُ أَنظُرُ شَمسَهُ، وَقَلبي يُنادي: أَينَ شَمسُ بِلادي؟
أَيا غُربَةً أَضنَت فُؤادي وَأَتعَبَت، جَوانِحَ قَلبٍ بِالهَوى مُتَمادِ
مَتى تَنقَضي أَيّامُكِ المُرُّ طَعمُها، وَيَرجِعُ قَلبي ثانِيًا لِوِهادي؟
فَوَاحَسرَتا، إِن طالَ هَذا التَّنائي، وَيا لَهفَ نَفسي، إِن بَدا لي بُعادي
وَيا عَجَبًا مِن غُربَةٍ لَستُ أَدري، أَتَغدو بِوَصلٍ أَم تَؤولُ لِنَفادِ؟
فَيا أَيُّها الرَّكبُ المُيَمِّمُ أَرضِنا، أَلا هَل تَرى عَودًا لِهَذا الشَّرادِ؟
وَهَل لِغَريبِ الدَّارِ عَودٌ لِدارِهِ، وَهَل لِفُؤادٍ في الهَوى مِن رَشادِ؟