في أغلب البلدان العربية، خاصة في المشرق، يسمونه «مُشْمش»، والليبيون، على عادتهم في التميّز، أطلقوا عليه اسم «مِشْمَاشْ».
والمشمش أو المشماش فاكهة صيفية، وموسمها قصير جداً لدى المقارنة بأنواع الفواكه الأخرى، لذا يقال شعبياً: «دُورة مِشماشْ» دلالة على قِصر الدورة الزمنية لموسمه. ولأن دورته قصيرة، يتطلب الأمر من زارعيه السرعة في جني المحصول وبيعه، كونه سريع الفساد والعطب.
المشمش أو المشماش دخل منظومة الأمثال الشعبية الليبية. وعن قصر المدة الزمنية لشيء ما، يحضر في الأذهان قِصر موسمه، فيقال: «دُورة مِشماش». وعن كساد وبور بضاعة أو سلعة ما في سوق، يحضر إلى الأذهان ما يحلّ بالمشماش لدى التلكؤ في جمع محصوله، فيقال: «قعادك في الرقبة يا مشماش». والمثل الأخير يستعار أيضاً في أمور اجتماعية، وعلى سبيل المثال، حين تكبر فتاة في بيت أبيها من دون أن يطرق أبواب بيتهم خاطبون.
على أننا في هذه السطور لا ننوي تتبع ورصد تحوّلات فاكهة المشماش، وتمثلاتها في منظومة الأمثال الشعبية، وارتأينا فقط أن يكون قصر موسم المشماش مدخلاً لموضوع أهمّ، ونعني بذلك توقف أو تعطل جائزة أدبية، وهي «جائزة أحمد إبراهيم الفقيه للرواية»، التي ظهرت علينا خلال الأعوام القليلة الماضية، ثم اختفت فجأة. الجائزة المعنية ولدت في دار نشر «طيوب» الثقافية، وتحت إشراف كاتب وشاعر وناقد ومهندس معروف في الساحة، وهو الصديق رامز النويصيري.
ليس في نِيّة هذه السطور أن تكون نَعياً آخر يضاف إلى سلسلة قائمة طويلة ممن شملهم النعي عبر السنوات من جوائز وبرامج ثقافية، ماتت فجأة مثلما ولدت فجأة، ولا تختلف عن «زي من جاه وليد ومات»، والسبب أن خبر الوفاة، إلى حد الآن، حسب علمي، لم يُعلن رسمياً، مما يعني احتمال أن يكون التوقف مؤقتاً، وهو ما نرجوه، لأننا نتمنّى لوليدنا الذي انتظرناه طويلاً، وسعدنا بمقدمه، أن يكبر ويشتد عوده، ويصير شاباً، يطوّل رقابنا، ونفتخر به في الساحات الثقافية العربية.
الكثير من النقد السلبي طال الجوائز الأدبية العربية مؤخراً، وحظيت جائزة البوكر للرواية العربية بالنصيب الأكبر منه، وبالتأكيد ليس كل النقد سلبياً، وبعضه كان موضوعياً، وضع النقاط على الحروف، كاشفاً ما يحدث وراء الكواليس من مهازل وتلاعب. ورغماً عن ذلك، تظل جائزة البوكر للرواية العربية أهم جائزة أدبية عربية يطمح للحصول عليها الروائيون، شباباً وشيوخاً من الجنسين، ومن مختلف البلدان العربية، وما قدمته من خدمة في انتشار الرواية العربية لا ينكر.
اللافت للاهتمام أن الرواية الليبية الوحيدة التي فازت بالجائزة بعنوان «خبز على طاولة الخال ميلاد»، للروائي الشاب الصديق محمد النعاس، مُنعت من دخول ليبيا! وصدق من قال إن من ليبيا يأتي الجديد. الجديد، في السياق، يعني الغريب وغير المألوف، حتى لا نقول الشاذ.
وفي رأيي الشخصي، فإن فوائد عديدة للجوائز والمسابقات الأدبية في الرواية والقصة القصيرة والمسرح والشعر والدراسات وقصص الأطفال، آخذين في الاعتبار أهمية الجانب المادي، ممثلاً في القيمة المالية الممنوحة للفائزين، وهناك العديد من الجوانب الأخرى أيضاً لا تقلّ عنها أهمية، أجدرها بالإشارة أن الجوائز تلفت انتباه الناس، وتثير فضولهم، وتحفّزهم على محاولة اقتناء الأعمال الفائزة وقراءتها، وهي بذلك تساعد على نشاط حركة النشر. كما أن العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف والمجلات الأدبية تحتفي بالحدث، وتخصص له الكثير من البرامج، وتستضيف له الكتّاب الفائزين والنقاد والناشرين. أضف إلى ذلك ما تقوم به دور النشر من أنشطة مثل حفلات توقيع الكتب، وإقامة الندوات في المكتبات العامة وفي غيرها، وهذا يعني أن الجوائز تنعش الساحات الثقافية، وتبعث فيها النشاط والحيوية، وكل ذلك يعمل كمحفّز للكُتّاب على بذل الجهود، ويستقطب العديد من الشباب، من الجنسين، إلى الساحة الثقافية، ويُعجّل بفتح الأبواب أمام المواهب الشابة.
لا أحد ينكر الدور الذي لعبه المرحوم الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه في إثراء الساحة الثقافية والإعلامية، ليبياً وعربياً، وأعماله القصصية والروائية ومقالاته النقدية والصحفية ما زالت شاهداً على غزارة وتميّز موهبته. لذلك السبب نأمل ألا تكون الجائزة، التي ولدت في ديارنا بعد انتظار طويل، وأُطلقَ عليها اسمه، ليست ســـوى «دُورة مِشماشْ».
بوابة الوسط | الخميس 25 أبريل 2024م.