بالتعاون بين مجلس الثقافة العام ومؤسسة الثقافة، أقيمت الأسبوع الماضي احتفالية ثقافية خصصت ايامها لمنجز الفنان القدير حسن عريبي الراعي الأول لفن المألوف والموشحات في بلدنا. والحاصد على مدى تاريخ فرقته الطويل سلسلة من الجوائز العربية استحقها بجدارة جهده المثابر، والمانح لمكتبتنا الغنائية الليبية أجمل الألحان، والرئيس السابق لمجمع الموسيقى العربية.
ضمن حضور هذه الاحتفالية كان هناك ثلة من أصدقائه وزملائه الذين كانوا معه فى المجمع الموسيق العربية بالقاهرة وعلى رأسهم السيدة رتيبة الحفنى، مديرة دار الأوبرا المصرية وصاحبة الأيدى الفاعلة بجدارة قل مثيلها لسيدة فى مثل عمرها مازالت تتقد حيوية ونشاط يعرفه القاصى والدانى، فنشاط دار الأوبرا المصرية على مدى كل السنوات الطويلة الماضية يدين فى تألقه وبذخ برامجه لهذه السيدة التى الحديث معها وحده يعتبر ذخرا عظيما لمن فى مثل عمرى واهتماماتى يحفز على العطاء ويتجاهل بجدارة الخوف من خفوت جذوة الفاعلية متى تقدم بنا العمر.
على هذه الاحتفالية كانت لى بعض الملاحظات التى آمل أن يتسع صدر كثيرين لها.
فى بلدنا منذ سنين طويلة نقيم احتفاليات ومهرجانات وملتقيات ومع ذلك لم نراكم خبرة تظهر هذه الاحتفاليات بالشكل الذى نتمنى، مع ضرورة التنويه الى أن رعاة هذا المحفل كانت لهم فى بداية نشاطهم الثقافى ملتقيات ناجحة من حيث الترتيب غردت خارج سرب المعتاد وجاءت فى محصلتها النهائية على هيئة أيقونات جميلة علقت على صدورمن ادارها، فبهرنا اشعاعها فصفقنا كثيرا لبراعة تنظيمها ولكن هذا الأمر لم يستمر طويلا، “ورجعت حليمة لعادتها القديمة” فهل يا ترى السبب يكون فى قلة الامكانيات الممنوحة لهم الان بتقطير لا يعول كثيرا على أهمية التفاصيل التى عندما تكون مجتمعة تمنح اى نشاط ثقافى حضوره اللائق؟ هذا وارد، فمزانيات الثقافة الآن تحت رحمة اللجنة الشعبية العامة التى على ما يبدو أن لها رأى آخر.
الاحتفالية أقيمت فى قاعة الشعب وهى قاعة قديمة لم تبن الدولة الليبية قاعة أفضل منها حتى الان، أليس من المخجل ان تكتشف اللجنة المحضرة لهذا المحفل ان تكييفها لا يعمل صباح يوم الحفل؟ فاللجنة كانت على ثقة كاملة بان قاعة مثل هذه ستكون جاهزة فى اى وقت للاستخدام لأنها “وجه المقطع” كما تقول دارجتنا.
ولكم ان تتخيلوا قاعة مغلقة بلا تكييف فى أواخر شهر يوليو فى مدينة طرابلس كيف سيكون هوائها! فى حضور ضيوف عرب يشهد لفعاليتهم الثقافية بالترتيب المبهر. لا أنكر عليكم ان خجلى كان عظيما منهم فكلنا يعرف كيف يهتمون بالتفاصيل الدقيقة التى لا تفوت، نظافة المكان وتنسيقه وهندام محضرى مثل كهذا أنشطة ودقة ترتيب البرنامج العام، ونحن ما زلنا نعمل بذهنية حرك بالعود واعطى لمسعود.
هل يعقل نشر صور الفنان الراحل على ورق مقوى فى طباعة هزيلة مع حصاد عمره الثرى من جوائز وأوسمة؟.
من يعرف علاقة الطربلسية بالمألوف والموشحات سيتصور أن المهرجان سيعج بالحضور على كافة المستويات، وان المهرجان سيكون تظاهرة حقيقية تقدم لهذا الراحل جليل الامتنان ولكن المفاجأة كانت صادمة لى، فعدا الأربع صفوف الأولى كانت مقاعد القاعة شاغرة، هذا الغياب الذى لم أتصوره لم يتركنى أنعم بسلام امام الحاح أسئلته، فهل السبب يكمن فى أن الدعاية كانت ناقصة؟ أم لان اللجنة التحضرية لم توزع بطاقات دعوة خاصة على الوسط الثقافى الذى يفترض أن يكون حاضرا بقوة فى محفل كهذا، فجاء حضوره مخجلا حد الدهشة.
اما عدم حضور العامة من أهالى طرابلس أرض هذا الفن فمازالت اجابته تشغلنى حتى الان، رغم محاولاتى اليائسة التى تساءلت بين اروقة هذه الاحتفالية فجاءتها اجابات متعددة منها ما هو غير قابل للنشر ومنها آخر قابل مثل ان الاعلان عن هذا المحفل كان عاما فى كل الصحف والمجلات وبما ان هذه الصحف والمجلات المحلية ومحطات التلفزيون الليبية متتبعوها قلة فجاء الحضور على مقاس من يتعاطى معها.
كل ما ورد لم يكن ليقنعنى بنتيجة ما كان من امر ذاك الحضور الضعيف وظل سؤالى معلقا.
لدى اقتراح قاسى أصرخ به آمل أن يجد له مسامع عند أجهزة الدولة الثقافية والفنية المناط بها رعاية هكذا مناشط. عليها أن تشترط لموافقتها على انجاز اى برنامج احتفالى عربى أو عالمي توفر كل الامكانات من الدعم المادى الى الوقت. كفانا هذا التقطير المخجل الذى يجلل أغلب مناشطنا الثقافية والفنية ويضرب فى مقتل جهود من يحاول أن يعمل بالحد الأدنى. هذا القبول لا مبرر له فاما أن تقدم لى ما من شأنه ان يساعدنى على أن أظهر مناشطى بما يليق بها وبهذا الوطن وأما لا ضرورة من دعوة عرب وأجانب يرجعون لأوطانهم بصورة لا تليق بنا وببلدنا.
لسنا فقراء حتى يكون لهذا التقطير مبرر ومن جهة أخرى على هذه الأجهزة أن تنمى من قدرة كوادرها على انجاز هكذا محافل متى رأت فيها قصورا فالتجهيز للمؤتمرات والمهرجانات هو الان فى كل أنحاء العالم تخصص قائم بذاته أبعد ما يكون عن الارتجال الذى كان ومازال عنوان أغلب الملتقيات التى تنظمها الدولة سواء الثقافية أو غيرها والتى لا نملك أمام ارتجالها الا الخجل من الهيئة التى تظهرنا بها أمام الضيوف.
عن موقع جيل ليبيا