أهدي هذا المقال إلى نساء ليبيا اللاتي لم يتركن الدراسة وتفوقن فيها ولم يهربن من المواجهة مع المتحرشين في العمل وفي الشارع، وفي الثورة كن أكثر صدقا وتوقا للحرية من دون أطماع أو مكافآت وتعويضات، كما أقدمه للنساء اللاتي يعتبرن أنفسهن عورة فيغطسن في القماش وفي مواصلة الصمت أمام كل هذه الانتهاكات التي لم يجرؤوا على ارتكابها قبل زمن اللحى والجاهلية هذا، ليعدن صياغة سيرتهن ويحترمن ذواتهن التي أهينت بما يكفي.
في عام ما، اجتمع القذافي بمن عُرِفن وقتها بالفاعليات النسائية وعلى رأسهن نورا أبو سفريتة، أمينة شئون المرأة بمؤتمر الشعب العام وقتها، وذلك في سبها (الشرارة السابقة) ضمن احتفالات سلطة الشعب. نساء من أغلب فئات المجتمع (نظام التعبئة ) شددن الرحال إليها. كان القذافي وقتها طالب بتعديل القانون رقم عشرة الشهير الخاص بالزواج، وكان يرغب في وضع بند يمنع تعدد الزوجات. ولكن ماذا حدث؟ الليبيات الحاضرات هناك، قلن له “لا، أنت بتمنع شرع الله”. نُقل ذلك على الهواء، جماهير النساء أصررن على تنفيذ شرع الله في التعدد. ورجع يومها القذافي إلى طرابلس نافضا يده منهن. ولن أحشر رأيي المخالف هنا، لأنه، رغم ذلك، ظلت هناك ثلاثة شروط لا يتزوج الليبي (الحرّ) وقتها إلا إذا توافرت. أذكر منها موافقة الزوجة الأولى وعدلت، بعد تكرار التزوير، بضرورة أن يسمع القاضي موافقتها. والثاني أن يكون قادرا ماديا، وليس لديه مانع صحي.
إعلاميات وناشطات وحتى ثوريات قلن “لا” أيضا لقانون منع سفر الليبيات من دون محرم في عام 2007. وبدأ الرفض بحملة صحفية، دشنتها مقالات نشرت في (الجماهيرية) جريدة القذافي، كما يسميها البعض الآن. حركت هذه المقالات الماء الراكد ماجعل وسائل إعلام مثل “بي بي سي” و”رويترز” و”الفرنسية” تصف لأول مرة قرارات الحكومة الليبية (اللجنة الشعبية العامة) بأنها “غبيةط، و”مسيئة”. ونشرت هذه الوسائل بيانا أعدته كاتبات المقالات يرفض القرار. بل انتوت المتصديات لهذا القانون تصعيد حملتهن ضده، بإعلان عزمهن التوجه إلى مطاري طرابلس وبنغازي والاعتصام هناك.
يثير ذلك في ذهني تساؤلات عن غياب ردود الفعل على جس نبض مشابه بشأن القضية ذاتها جرى قبل شهرين.
إلا أنه بالعودة إلى قانون عام 2007، وفي تجمع أعلن عن موعده، وأقيم بالتزامن في طرابلس وبنغازي، هدد موظفو الداخلية واللجان الثورية، المجتمعات بمبنى المؤتمرات في شارع الجمهورية. إلا أن المجتمعات، وفي ظل تغطية قنوات الجزيرة والحرة وبعض القنوات التي سمح لها مؤخرا بالعمل، وإن بتحفظ، أصدرن بيانا لم يرسل، لأول مرة، برقية عهد ومبايعة.
إثر ذلك، حضر على وجه السرعة وكيل وزارة العدل (أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل والأمن العام) وتبرأ من القرار، كما أعلن موقع البغدادي المحمودي (موقع اللجنة الشعبية العامة) عدم مسئوليته عن قرار المنع وتبرأ منه بدوره. وانحل القرار كأنه فص ملح وذاب.
بعد سنة، وربما أقل، خرج سيف الإسلام ليعترف أنه كان وراء القرار في احتفالات 20 أغسطس، وقال إن النساء رفضن قراره وأنه تفاجأ بشجاعتهن. قال ذلك في حشد من الذكور الأحرار الثوار الذين تقاطروا من كل مدينة وبادية.
ولاحقا، طالبت الليبيات المتزوجات من أجانب في مظاهرات أمام مبنى الأمم المتحدة بإعطاء جنسيتهن لأولادهن وإعفائهن من دفع رسوم الدراسة. كان ذلك قبل فبراير 2011، وكانت اعتصاماتهن مستمرة إلى وقت قريب من فبراير.
كما واصلت أمهات ضحايا مجزرة أبو سليم التظاهر كل سبت بعد اعتراف سيف الإسلام بالحادثة وإن نأى بوالده عنها. صممت أمهات الضحايا على معرفة المسئول عن قتل أولادهن والمطالبة بجثامينهم. أتحدث هنا عن اللاتي رفضن أخذ التعويضات ونسيان الأمر، حتى كن فيما بعد سبب الهتاف “نوضي نوضي يا بنغازي”.
وفي عام 2009، شهد شارع الجمهورية، لأول مرة، مظاهرة لمعلمات بسبب قرار التقليص والاستغناء. إلا أن المظاهرة ساسها الأمن، ومضت في طريقها إلى باب العزيزية حيث بقيت القلة القليلة هناك أمام بوابتها الرئيسية إلى أن خرج لهن من امتص حماسهن.
ركزت هنا على فعل الحشد والجمهرة وليست الأفعال الفردية، أي كم النساء اللاتي كن قادرات على الفعل في زمن القذافي، الذي بعدما قتل ظهرت جماهير الثوار ليلخّصوا نساء ليبيا في الحارسات والراهبات الثوريات والطرائد الجنسية، ويجعلوهن في إعلامهم الجاهل، والمؤدلج في أحسن الأحوال، أختا للثوار وأمهات لهن، ولم يسميهن ثائرات، ووصفوهن بـ “الحرائر” بكل ماتحمل من دلالات الحرملك والضعف والمسكنة. وفي خطاب 23 أكتوبر 2011، قرر المستشار عبدالجليل أن يهديهن للثوار بتعطيل قوانين كانت تحترم النساء الليبيات، على الأقل. وليحط مفتي الديار من قدرهن، حرض هو وباقي شيوخه عليهن في المساجد، وقلل من شأنهن، ومنعهن من الانخراط في الجيش والشرطة، تدخل في أوشحتهن، وفي حجابهن، ومنع زواجهن من الأجنبي لعدم أهليتهن، كما يفترض، للاختيار فهن ناقصات عقل، ناهيك عن تطبيق شريعته المتخصصة في وأدها باسم الله.
دون أن ننسى كمّ الاحتقار والإقصاء الذي يمارس على المرأة الليبية من قبل أعضاء المؤتمر الوطني، الذي رفض مؤخرا نظام الكوتا، واعتمد فقط نسبة 10% للنساء كمنّة في لجنة صياغة الدستور. ختاما، أنتن الثائرات لا يخدعكن إعلام ولاية الفقيه، انهضن، أنتن من سيغيرن هذا السلوك القبيح لأولادكن، الذين خربّوا البلاد، كما ترون.