نحن لسنا جيدين في بعض الأوقات، وفي معضم الأوقات نحن جيدون جدا، هذا هو منطلقنا، ذلك الوعي بكوننا بشرا يخطئ ويصيب ولا يمكننا أن نكون على صواب دائما مهما بلغ وعينا وجهدنا ومن يظن أنه لا يخطئ فهو أكثر المخطئين، ذلك الوعي بأن مسعى ترقي المرء في هذه الحياة هو أن يغلب صوابه على أخطائه مع وجود الأخطاء فجل من لا يخطئ، وأن تغلب مزاياه على عيوبه مع وجود العيوب فالكمال لله وحده، وأن يغلب خيره على شره فيكثر نفعه لنفسه وللآخرين من حوله على حد سواء، ومن غلب خيره على شره كثر نفعه ومن غلب شره على خيره كثر ضرره وما بين تحصيل النفع ودفع الضرر موازنة، (الشر كامن في طبيعة كل أحد فإن غلبه صاحبه بطن وإن لم يغلبه ظهر كما قال سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام)، ولا كمالية للإنسانية في هذه الحياة إنما سعي متواصل ومستمر نحو الأفضل دائما ومن أفضل لأفضل وهكذا دواليك، تلك هي الإتزانية المجتمعية، والمجتمع المتزن هو المجتمع الذي يغلب صوابه على أخطائه مع وجود الأخطاء وتغلب محاسنه على مساوئه مع وجود المساوئ وتغلب مزاياه على عيوبه مع وجود العيوب ويغلب خيره على شره فيكثر نفعه المتكامل تدريجيا ويقل ضرره المتعاطل تدريجيا بإذن الله وفضله ومشيئته.
إن المجتمع الليبي مثال للمجتمع المتزن اليوم، هذا ليس انحيازا للمجتمع الليبي الذي أنتمي إليه، إنما هي وجهة نظري حيال مجتمعنا الفاضل الذي ولدت وتربيت وقرأت وتعلمت وعملت وترعرعت فيه، لاسيما أنني أعيش حياتي اليومية بينهم كل يوم، بالصواب والأخطاء بالمحاسن والمساوئ بالمزايا والعيوب نحن مجتمع محافظ متزن يغلب صوابه على أخطائه مع وجود الأخطاء وتغلب محاسنه على مساوئه مع وجود المساوئ وتغلب مزاياه على عيوبه مع وجود العيوب ويغلب خيره على شره فيكثر نفعه المتكامل تدريجيا ويقل ضرره المتعاطل تدريجيا بإذن الله وفضله ومشيئته، إنما المجتمع السمة الغالبة عليه فليس المجتمع الجانب الفارغ من الكوب إنما الجانب الممتلئ منه، والجانب الممتلئ خير، وغلبة الخير في المجتمع آيلة إلى انتشار الخير وانحسار الشر على كافة الأصعدة بإذن الله وفضله ومشيئته، نحن نرى أن الخير غالب في مجتمعنا اليوم وهذا أساسه حسن الظن بالله وحسن الظن بالله لا يخيب بتاتا، حسن الظن ثابت والمعطيات متغيرات، والمجتمع بطبيعة الحال غير مسؤول عن شر ساسته إذا ما خالفت ساسته مصلحته، فالساسة المتزنة هي الساسة التي تغلب مصلحة المجتمع على مصالحها الشخصية، الساسة جزء من المجتمع عندما يكون الغالب عليها تحقيق المصلحة العامة للكل وهو ما فيه الخير للصالح العام أما عندما تخالف الساسة مصلحة المجتمع تصبح الساسة نشازا لا تمت للمجتمع بأية صلة، لاسيما أن سوؤها أيضا لا يمت للمجتمع بأية صلة، فسوء الجزء لا يعني سوء الكل بالأساس، كما أن مصلحة الكل تكمن في مصلحة الكل ولا تكمن في مصلحة الجزء بالأساس.
نحن جميعا لسنا سيئون بالمطلق ولا محسنون بالمطلق، نحن سيئون كلما أسأنا محسنون كلما أحسنا، وعليه فإن عملنا وبذل جهدنا موجه إلى أنفسنا بالدرجة الأولى لأن يغلب الإحسان فينا سوءنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا وهذه هي مجاهدة النفس الملازمة للمرء في مجاهدته نفسه طيلة الحياة، بدءا بأنفسنا، نرضى عن ربنا ولا نرضى عن أنفسنا فالرضا عن النفس يسبب ضعف الهمة وركود العمل وعدم الرضا عن النفس يسبب علو الهمة واستمرار بذل الجهد والعمل باتجاه الإحسان أكثر فأكثر إلى أقصى المستويات وذلك ما يقلص السوء أكثر فأكثر إلى أدنى المستويات، والرضا عن الله في قضائه وقدره من كمال الإيمان بحكمته فيه وهو وحده سبحانه ولي التوفيق والسداد إلى ما فيه الخير والنفع لأنفسنا وللناس من حولنا على حد سواء. فلنعي أن قضية تحقيق الخير تبدأ بداخل الإنسان نفسه، فلنعي أن الإنسان ليس ملاكا ولا شيطانا فلنعي أن الإنسان يصيب ويخطئ ما يصيب فيه فمن من فضل الله وما يخطئ فيه فمن نفسه والشيطان فلنعي أن رشد الإنسان يكمن في أن يجاهد نفسه طيلة حياته لتغليب صوابه على خطأه ولتغليب مزاياه على عيوبه ولتغليب خيره على شره قدر الاستطاعة والإمكان ليكثر نفعه لنفسه وللناس من حوله على حد سواء، فلنولي الأهمية لاستمرار تغليب الخير على الشر بداخلنا فيسود الخير بأوطاننا ويتحقق النفع العام، عندها تنهزم الأنا المجزئة القادمة من عمق الشر لتحقيق الشر وينتصر الضمير الجمعي القادم من عمق الخير لتحقيق الخير، قال ﷺ : (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ) وقال أيضا : (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ) ، النفع معيار الأخيار والإيثار سجيتهم، فلنكن نافعين نكن أخيارا مؤثرين متحدين متآزرين لتحقيق ما فيه الخير للصالح العام والله ولي التوفيق بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
الاثنين 21 / 12 / 2020 ف