تصوير: الشاعرة ليلى النيهوم.
قصة

جنية “دزيرة” الملوك

1

اختارعزلته هذه المرة بجانب البحر، أخذته هزات الشجى، وفيما هو يقترب من الشاطئ رأها جالسة فوق صخرة ترتدي فستاناً خفيفاً متعدد الألوان كأنّها تستعدّ لقربان مقدس، تقدم بضع خطوات حتى تراه، اِقترب أكثر، لم تنتبه له، كانت تُحدق في موج البحر، يتهادى الموج مرتطماً بأكعاب الصخور، حيّاها فلم تنتبه، السماء مُشرعة في ثوبها الأزلي، تأمل ليل شعرها يهرهر على كتفيها شلالٌ من الدجى..

2

اقترب أكثر، انتبهت له، نظرت إليه، ابتسمت، اِبتسم، حدّق فيها، تأملها بنهمٍ،  حُسنها يستحي الياسمين منه خجلاً، بريق جمال عينيها السودواين فتاك يخرج من ثنايا لحظها، أشارت بيدها إلى البحر،  نظر إلى حيث أشارت، أشار معها حيث أشارت، إنها ” الدّزيرة” قال نعم : الدزيرة، سحائب كثيفة تدنو من الجزيرة، أرسلت نظرة نحو الأفق البعيد، وفي السماء طائر السنونو يحلق عالياً ثمّ يهبط ليلامس الماء، بينما الغمائم تتجمع بسخاء، والماء الأزرق يسبح في ثوب أخضر غامقٍ سألته : أتعرف العوم ؟

3

أجاب في استحياء: لا. قالت رائع.. وقفت في خفة ورشاقة، قدّها غصن بانٍ، مشت في الماء، صعدت فوق صخرة ” صالتو الجمل” كما أعتاد الناس أنْ يسميها، نزعت فستانها، تطاير في الهواء،  قفزت في البحر، لامست ذرّات الضّوء جسدها، فرح الموج، سبحت حتى الدزيرة، ارسلت له تحية من الدزيرة.

4

أشارت إلى دزيرة أكبر يغطيها الماء، علا صوتها ” دزيرة الملوك “، لم يصله صوتها، وقف يراها تسبح نحو الدزيرة الكبرى، دزيرة الملوك كما يسميها الناس، تركت الجزيرة، الشمس تتسلل نحو الأفق تجرجر خلفها ثوبَ برتقالٍ، هدير الموج يزمجر صاخباً، يتلاطم بين الصخور، زبدٌ كثيف يعلو الماء طفحاً، ارتفع الموج بدأ يرتطم بقدميه، خيّم المساء، لم يغادر الشاطئ حتى اِختفت عن الأنظار. أمضى الليل.. ظلّ عند البحر حتى الصباح، همّ عائدا لبيته، توقّف مدهوشاً ليرى حروفاً تطرز فوق جبين الرمل: “من علّم العين أنّ القلب يهواك؟”.


إشارة:
صخرة صالتو الجمل صخرة معروفة بشاطئ بوعزة بمدينة درنة وهناك جزيرة صغيرة ” دزيرة” كما يسميها أهالي المدينة وأبعد منها كانت هناك ” دزيرة ” أكبر لا تُرى إلا عندما يضرب الموج سطحها “

مقالات ذات علاقة

الصرخة…

أحمد يوسف عقيلة

تخريص

رشاد علوه

باركنسون …

المشرف العام

اترك تعليق