من أعمال الفنان محمد الشريف.
قصة

حكيم كوكب كرو

Mohammad_Esharif (1)

يشيح بنظره إلى القمر، يفتعل ضحكة تنبئ عن سخرية عابثة، ملامح وجهه يخفيها ظلام الليل وتغلغل النبكة إلى باطن الأرض مقدار أربعة أقدام، يتكئ على حائط صنعته له البوخة ويحف حول سحنته الكروية عشرة، كان أحدهم غارقاً في إعداد المبكبكة بينما يغوص آخر شبيه بالبوب مارلي في كرسي خشبي ينزل عليه شعاع من ضوء القمر يجعله واضحاً للملائكة والشياطين على السواء ليظهر نتواءات داخله، أغلب الجالسين كانوا من أصحاب الشعر الكثيف والطويل وكأنهم من الهيبّيز، هو اختلف في سحنته عنهم تماما، وجه لم يكن حاضرا ولكن جسمه الكروي ينبئ بملامح بهيجة، كان أحدهم يحضر له كأس من البوخة بخلطها بمشروب غازي عندما قال ” كروش” في جعجعة والخمر ورائحته تملأ أنفاسه محيياً مراسم السهرة:

– أما حنا الليبيين قديش ما إبداع.

تهامسوا فيما بينهم غامزين ومبتسمين وسأله أحدهم ليشعل فيه الحماسة:

– كيف يا عليوة؟

ناوله ذاك الذي يبدو من شعره أنه قادم من سبعينيات القرن الفائت، شرب الكأس دفعة واحدة وقال بنبرة صاخبة:

– يا راجل، نتقاطشوا علي لعبة.

وقبل أن يزيد صاحبه في استفزازه قال:

– بتقولي كيف، أنا نقولك.. تو هذا اللي يقولي شد الطريق، كيف بنشدها أنا تره؟ نتلوح ونتبلطها؟، هذا مرة خوي الصغير يتعارك مع ولد الجيران، ويا يضربه ويطيح فيه.. جاني بوه ثاني يوم وقالي شد خوك، قلتله تي برا فكني منك يا راجل، يالله نشد روحي. باهي أنا نقولك : الانسان جي قبل والا الدجاجة؟

يتضاحك الجمع، ويستفزه أحدهم بالإجابة:

– الانسان!

– الانسان مؤخرتك، تو معقولة ربي بيخلق الانسان قبل؟ آدم قعد يرتع في الخلا بروحه؟ انا نحكيلك مرة خشيت سانية جارنا وقعدت ناكل في البلح، جاني وبصوت مغوّل وقالي: ما تاكلش منها هذي نخلتنا، فلتله برا نيّك،ـ النخلة قاعدة قبل ما اديروا عليها سور، شي يا راجل، وين ما تمشي، هذي نخلتنا، هذيك مزرعتنا، هذا سريري، هذا زبّي، قعدت زيهم ندور علي أرض نملكها ما لقيتش، في الأخير حصلت نقيطة صغيرة، وقفت عليها بصبعي وصورتها، واللي يعفس عليها نقوله هذي نقطتي!

كان أحدهم عاكفاً على فرك الحشيش ولف أوراق البافرة، رائحة الحشيش والبوخة تملأ المكان، عندما انتهى من إعداد الحشيش، أخذ لفافة من البافرة ودس فيها الحشيش المخلوط مع التوباكو، قام بإتمام إعدادها ثم ناولها لعليوة الذي كان غائبا في هيلمان وعالم آخر من صنعه بكلامه المتواصل، أشعل اللفافة، نظر عاليا كأنه يطلب من الله أن يباركها، ثم نفث دخاناً أبيض كثيف غيم على جمجمته وقال له أحدهم:

– الارض ليست ملكاً لأحد يا عليوة.

نظر نحوه ثم مال بجسده الكروي على جداره الخيالي وقال:

– هذي قالها القذافي!

كان أحدهم يترع كأس الخمر خاصته ويملأ جوفه عندما فزّ قاذفا السائل الحارق:

– يلعن دين معمّر، معاش تجيب سيرته!

إلا أنه تجاهله تماماً وتابع حديثه:

– يا راجل، القذافي هذا داهية، عفريت، ضحك عليكم وقعد عافس علي رقابيكم أربعين عام، وأنتم تنادوله زيد تحدى زيد، مشي للعبيدات بعد ما عيي من العرب وقعد يضحك عليهم، قاللهم السود سيسودون، وهما ما صدقوا وهدوا عليكم وعلي أوروبا، بس كلامه مزبوط القرنوط… تلقاهم في كل تركينة توا، اضرب مثال هالعبد اللي اسمه ففتي سينت، عايش حيي ما تحلمش بيها يا طحان منك ليه.

– فكنا منه الخطاب الجهوي والعنصري هذا يا عليوة.

قال له الذي سب القذافي…

واصل عليوة حديثه عن السود والقذافي، ثم راح وسط المواضيع التي تتداخل فيما بينها، سكت قليلا ثم قال:

– أنا نشوف كل حد يشد دينه، ويعيشوا مع بعض.

ولم يكن معروفاً ما المقصود بذلك، إلا أنه تابع:

– هذا يقولي أنا الاسلام وهذا يقولي أنا المسيحية، وكل حد يقول ربي خير، تي هو رب واحد، ما يضحكوش عليكم بجو تسامح الاديان هذا، كله دفنقي فارغ، مافيش تسامح في الاديان وحتى كان تمشي راهب يقعد يمتدح فيك ويقولك ربنا واحد ويحترم عقيدتك، باهي وكان رب واحد ليش ما يؤمنش بدينك، قلتلك دفنقي فارغ، المسألة الغيبية هذي هي سبب الحرب، الأكل واجد والشرب واجد والحشيش برضو واجد والبنات السمحات واجدات ما قعدت غير هالمسألة الغيبية سبب المشاكل والحروب، أنا قلتلهم نقترح عليكم تحطوهم كلهم في الصحراء ويقتلوا بعض واللي يربح يحكمنا، والا فيه راي ثاني؟

سكت قليلاً يملأ ريقه بكأس آخر من البوخة وتابع…

– التفنيص! نحطوهم مع بعض ويقعدوا يفنصوا في بعض واللي يرمش الأول خاسر!

قهقه الجميع وانقلب أحدهم على ظهره ضاحكاً، تنادوا على أحدهم أن يحضر القيثار فأحضر اثنين، تناول عليوة أحدهما وأنشأ بعد الاحماءة يعزف، كان عزفه غريباً فما يفتأ يغير المقطوعات، تسمعه يعزف بطيئاً ثم يتحول اللحن بسرعة إلى سريع، يغني بكلمات غير مفهومة ومتداخلة، يقول لهم:

– هذي بالاسبانيول، تبوا نغنوا بالامازيغ؟!

يضحك الجميع، ويوافقون على ما قاله ثم يبدأ العزف، يحاكي أغنية أمازيغية ما لكنه ينشد كلمتين متكررتين..

– أمازيغ، أزول.

يوقف عزفه بعد ذلك قائلاً:

– أنا نعرفه جد الامازيغ، مش هذين الجديد، لا الأول بكل.

سأله أحد رفقاء الكفخة قائلاً:

– كيف تعرفه يا علي؟ قداش عمرك؟!

– أنا عمري أربع مية مليون سنة ضوئية، مش تحسابوني زيكم البشر، أنا كائن فضائي من كوكب كرو، كوكب بعيد، بعيد بكل، واسمي كروش، حطوني عندكم باش نتجسس ومعاش رجعوا، قالولي اقعد هني وتو نولولك، المهم الامازيغ حاضر تأسيسهم، جدهم سألني شن يسموا نفسهم، واحد قال زا والثاني قال غا، والثالث ما، قلتلهم خلطوهم في بعض وطلع اسمهم أمازيغ… راهو كبير واجد أنا.

ولم يكمل الشباب قهقهتهم حتى تابع عزفه بلحن موسيقى الكنتري الأمريكية ثم بدأ يغني وصاحب له..

– I wanna a beautiful girl

رد عليه أحدهم

– Because you re a fucking old man

لم يأبه له، تابع عزفه السريع وكأن القيثار صديق أو ولي حميم، تابع غناءه وصار يتشرب اللحن بخطا أكثر سرعة والجمع منتشي، فجأة توقف ليغير مسار حديثه حول الامازيغ.

– الامازيغ هذوا لغتهم تجميعة من الروسية واليونانية والاغريقية والايطالية والفرنساوية.

وظل يعدد كل اللغات التي يعرفها ثم قال:

– تعرفوا المسألة الغيبية هي سبب كل المشاكل، لكن حد يجي يقولي أما أحسن نعيشوا من غير شر بكل والا فيه شر؟

يجيب أحدهم متسرعاً:

– كيف فيه خير من غير شر؟

ينتفض ضد سؤاله:

– تبيه الشر أنت؟ فيه وسائل تعذيب تخليك تكره الشر، يقعدوا يعذبولك عينك سبعمية سنة ومش يقتلوك، لا، يخلوك حي، تقدره هذا؟ ما تقدراش.. املا اسكت.

يضم يديه لبعضهما ويقلد حركات المحبة والسلام ساخرا أو هازئا فلا تعرفه هل هو مع الخير مطلقا أو ضده، يمسك القيثار مجددا ويواصل عزفه، ينادي على حبيباته، فطوم، خديجة، عويشة، مريم ومريا، نجية وحتى ” القحبة”.

يطالبه أحدهم بأغنية ما لكنه يهيم في سماءه السابعة وينيح برأسه عازفا ببطء وصوت خفيف، عندما يستأنس الشباب بخموده، طالبوا أحدهم أن يعزف على القيثار الآخر، ولم يلبث يعزف أولى أغانيه حتى قاطعه كروش بموسيقى أمريكية صاخبة، يخلط الكلمات الامريكية والعربية وينهي كل مقطع بصيحة كتلك لرعاة البقر، يصرخ بعدها منادياً ” حي” ثم يقف عن العزف.

– عمري اربعمية مليون سنة ضوئية، عايش كل شي صار هنا.

يسأل أحدهم محاولا استفزازه:

– شفت الرسل يا علي.

ويبدو وكأن شيطان السكر طار من عقله فقال:

– إلا الرسل والانبياء، فكونا منه الجو هوا.

ثم يضحك قائلاً:

– أنا عييت منكم البشر، غير يبعتولي مركبة ونسيبكم لحروبكم وبناتكم السمحات.

مقالات ذات علاقة

التـمـثــال

محمد المغبوب

الحراقة

المشرف العام

مسكنات مؤقتة

امغلية العقوري

اترك تعليق