المقالة

هذه الفضائيات المتناسلة

 

ليست الفضائيات ، حين ندرك جوهر حقيقتها، سوى أحد التعابير الملموسة عن الثورة المذهلة التي طالت عالم الاتصالات،

وغدت بواسطة التراكم المتتالى فيما توفره تأتي على معظم القناعات القديمة المتصلة بالكون الذي تزدحم فيه عديد الكواكب التي كانت لفترات قريبة مصدر إلهام العشاق من مبدعي الفن ومتذوقي الجمال وإذا بها تفقد ذلك كله منذ أن تأكد للجميع أن كل شيء يعود إلى أمنا الكبيرة التي تمنحنا الطاقة وتمنحنا الضوء وتجلب لنا أيضاً وحين لا نحسن الاستفادة مالا حصر له من الأذى، مما جعلنا ونحن نمضي في اكتشاف المزيد من الأسرار ونحقق السيطرة تلو السيطرة على أسرار هذا الفضاء الضخم نجرب حظنا في اصطناع أجرام جديدة توفر المعلومة تلو المعلومة عن رحلة الحياة وتفلح من جانب آخر في التبليغ عنها في لمح البصر، وبات مستحيلاً على أي كان أن يتصور بأن في إمكانه حجب هذه المعلومة أو تلك والسليم والحالة هذه هو كيف نحسن الاستفادة وكيف نتفادى فجيعة كشف أسرارنا من طرف الآخر وعدم إعطائه الفرصة كي يجردنا حين يريد من ورقة التوت فنختار تبعا لذلك توقيت المعارك وتحديد الأولويات وسلوك الطرق التي تتكفل بسلامة الوصول ونبدأ برحلة معرفية يعبر عنها صوت بحجم «الفم» ويقرأ لها عقل لا مكان فيه للأساطير.

كانت المعلومات المستخلصة من سياسات الدول المتقدمة قد أكدت منذ مطلع العشرية الأولى من هذا القرن أن عدد الأقمار الاصطناعية التي ينتظر أن تملأ كوننا سيتجاوز المئات إلى الآلاف وأن كل الاتصالات ستكون مرتبطة بهذه الأقمار، وأصبح من الواضح أن تأثير هذه الوسيلة لن يتوقف على الخبر أو الصورة وإنما سيتجاوزه إلى المعلومة ومن بينها إجراء العمليات الجراحية ومن ثم فإن الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية المرتبطة بها لم تعد تسمح لأحد أن يتصور أى شكل من أشكال القدرة لحجب المعلومة، غير أن المؤسف أن بعضنا بدلاً من أن يدرس إمكانية الاستفادة وحسن الاستثمار نراه مايزال يفكر في الحد من هذه المخاطر التي تتهدد القيم والسياسات والأجيال، دونما إدراك لاستحالة أي نجاح في هذا السبيل، مما جعل المسؤولين العرب عن الاتصال وما في حكمه يعقدون الاجتماع تلو الاجتماع ويفكرون في التشريع تلو التشريع أملا في تبرير التدخل وشرعنة المنع بدلاً من الالتفات إلى الواقع العربي ذاته وما يسوده من ازدواجية في الخطاب والممارسة، بين كلام جميل يقال عن الصمود والنضال والعدالة وفعل يبرر الإستسلام وممارسة لاتنتج غير اليأس والتحلى المستمر عن الأرض والعرض وليس أدل على ذلك من تهافتنا المستمر على الظهور في أكثر الفضائيات المملوكة من الآخر والمتبنية لسياساته صراحة أو ضمناً لمجرد إحساسنا بما يتيسر لها من القدرة على مخاطبة المتلقى في جميع بقاع الأرض.

وعندما ينتظم هذا اللقاء اليوم وقبله لقاءات مشابهة جرت بالأمس وأخرى ستلحق به في الغد من منطلق الإحساس بتأثير الفضائيات على المنظومة التي أعدت كمحاور للنقاش، فإن في ذلك ما يبعث على الأمل بدون شك، غير أن هذا الأمل سيبقى مجرد حلم جميل، مالم تستخلص الدروس التي ساعدت هذه الفضائيات على الإمساك بالمتلقى وجعلت ما سواها في آخر القائمة، وذلك بواسطة الاحصائيات التي تستطيع أجهزتنا الأمنية أن تقدمها لنا بكل الصدق لنفكر بعد ذلك في سحب البساط منها. نعم أن الحروف ليست محايدة وأن كل إعلام يبشر لسياسة من السياسات ولكن كيف يتم ذلك، فتلك هي معضلة جميع الذين يحاربون إعلامنا يعجزون عن أن يأتوا بمثله، وفضائيات بقدر ما يشككون في صديقتها بقدر ما يحرصون على متابعتها وحتى الظهور فيها، ولم تعد تسمح لهم بإقصاء أي مكان.

مقالات ذات علاقة

نظرة قديمة في النقود الليبية!

أحمد الفيتوري

أين ليبيا التي عرفت؟ (38)

المشرف العام

رؤى ثـقـافـية..!

عبدالواحد حركات

اترك تعليق