لنتفق أولا من هم الكتّاب والأدباء الورقيون والرقميون…
فالكتّاب والأدباء الورقيون هم من يقومون بنشر مقالاتهم الإبداعية في مجالات الآداب والفنون والفكر وكل ما له علاقة بالكتابة الأدبية أو الفكرية أو الأدبية ذات الأسلوب العلمي كالدراسات النقدية وما إليها.
وعلى الكتّاب والأدباء الرقميون يندرج ذات التعريف… أي أنهم يكتبون نفس الأشكال الإبداعية والثقافية والفكرية لكنهم يختلفون عنهم في شكل الوسيط الذي يعرضون عليه أو يعرضون فيه نتاجهم المتنوع هذا.
الورقيون ينشرون إبداعاتهم في الدواوين والكتب والقصص والروايات والدراسات النقدية التي يؤلفونها على صفحات الصحف والمجلات الدورية الثقافية العامة منها والمتخصصة في شتى أنواع الأدب على الوسائط الورقية التقليدية المعهودة.
والرقميون يمارسون نفس الكتابة وفي ذات المجالات وبنفس الأسلوب ويتناولون شتى صنوف الإبداع الشعري والأدبي والثقافي وحتى النقدي بالشكل الذي لا يقل عما يتناوله الورقيون، بل ربما أكثر دسامة وأكثر نتاجاً على اعتبار أن الكتابة الرقمية تختصر الكثير من الوقت وتتخطى كل جدران الجغرافيا السياسية بل وحتى الدينية والمجتمعية منها، على عكس الكتابة الورقية، أو على وسائط ورقية ملموسة.
ونحن نعرف يقيناً أن الكتّاب والأدباء الورقيون هم من يقومون بنشر نتاجهم بجميع أنواعه الأدبية والعلمية على صفحات الوسائط الورقية بمختلف أنواعها وأشكالها.
كما نعرف أيضاً أن الرقميون هم من يقومون بنشر نتاجهم الشبيه على وسائط الكترونية بمختلف مجالاتها من مواقع أو صفحات على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة أو في مواقع الويب أو على صفحات الكتب الالكترونية.
ويعتبر بعض أو جُلّ الكتّاب الورقيين أن انتشار عدد الكتّاب الرقميين ظاهرة سلبية، بل أن كثيراً منهم يقللون من شأن الكتّاب الرقميون ومن قيمتهم الأدبية الإبداعية بل وحتى العلمية، ويذهب بعضهم إلى عدم الاعتراف بإطلاق صفة (كتّاب) عليهم ما لم يكن لهم كتباً منشورة نشراً ورقياً، وهو ما يعني أنهم لا يعتبرونهم كتًاب، بل إنهم لا يعترفون بالوسائل الالكترونية التي صارت أدعى للولوج والاستخدام كوسائل تنشر أدبهم وفكرهم ونتاجهم العقلي المتنوع دون غيرهم… لكنهم يكابرون بسبب الفجوة الزمنية التي سجنوا نفوسهم فيها.
في حين أن الكتّاب الرقميون لا يعترفون بالكثير من الكتّاب الورقيين ويرون أن الكثير من الكتب الورقية المنشورة ليست ذات قيمة أدبية أو إبداعية مهمة، ولا ترقى لمستوى الإبداع الفني أو الادبي أو العلمي الذي يستحق النشر.
لكن هذا الجدل الدائر لا يمنعنا من الدخول فيه مشاركين كوننا أحد القراء المتتبعين لحركة الإبداع العربي عموماً ومتابعين جيدين للنتاج الإبداعي الليبي وفق ما يتاح لنا من وسائط وأوعية ورقية (التي صارت شبه معدومة) أو إلكترونية تفسح المجال للطلاع على حركة المشهد الثقافي الليبي بكل مشمولاته.
ونرى بأن جيل الورقيون ينقسم إلى فئتين.. واحدة متزمتة من عتاة الجيل القديم لا ترضي بالقبول بهذه الأوعية الالكترونية الجديدة (شكلاً وموضوعاً) وتعدها ليست قادرة على حفظ نتاجهم لأزمان، وإنها (بدعة) ستنتهي عاجلاً أم آجلاً.. والأخرى محسوبة على الجيل القديم لكنهم وعوا هذه الثورة المعلوماتية وسلموا بأنها ستفيدهم في نشر ما يكتبون من مشاركات في مجالات الأدب والإبداع المختلفة وهم بذلك يمارسون العملين.. ورقي ورقمي.. وهذا قطعاً لا علاقة له بجودة الإنتاج.. لأن هذا الإبداع معايرته تتم من القراء والمتابعين والمعلقين عليه وهو ما لا يمكن تحقيقه على الوعاء الورقي لأنه وعاء متصل بشكل مباشر من طرف واحد وهو القارئ، في حين أن هناك اتصال شبه مباشر ومستديم بين متلقي الإبداع الأدبي الإلكتروني وبين الأديب أو الكاتب، هذا الاتصال يسمح بظهور علاقة جديدة بينهما تسهم في خلق مجالات للكتابة جديدة ومتطورة لتلبية أذواق المتلقين.
كما ويحق لنا أن نرى أيضاً بأن من حق الرقميون الدفاع عن وسائطهم الحديثة التي لا تخضع لمقاييس الناشر للإبداع ولحساباته التجارية (مردود مادي) التي في العادة لا تهم هذه الفئة من المبدعين والكتاب.. وانتهت بذلك حكرية الإبداع التي كانت موصده أمام هذه الأقلام الشابة والتي وجدت منفتح لها لتعبر عن ذاتها الإبداعية بوسيلة شبه مجانية وشائعة بين فئة كبيرة من المتعلمين على اعتبار أن امتلاك بعض من الأجهزة التي تسمح بالإتصال بإبداعاتهم ميسرة لهم (أجهزة الكمبيوتر ومتبوعاتها) من حيث المستوى والمكان والقيمة والوصول إلى براحات (التغطية) بالإتصال الالكتروني الحر.
بل تمادى الرقميون ولم يعودوا يلتفتوا إلى اتحادات كتّاب الورقيون فأسسوا لهم اتحادات للأدباء الرقميون، صارت أنشط وأكثر نشراً وأرقى تصميماً وأكثر مقدرة على الولوج إلى عالم الكتابة والنشر والتأثير في الوسط القرائي المأمول.
أترون أن فيما أكتب هرطقات؟.. أنا أجزم بذلك.. وإلى هرطقة جديدة أودعكم على أمل اللقاء القريب..