طيوب عربية

هذا هو الشعر حقا

الشاعر السوداني محمد عبدالباري (الصورة: عن الشبكة)
الشاعر السوداني محمد عبدالباري (الصورة: عن الشبكة)

منذ أكثر من سنتين أتابع بشغف وإعجاب شعر الشاعر الليبي الشاب هود الأماني، وقد قلت في منشور سابق إني رأيت في عدد من نصوصه طاقة شعرية خلاقة، وسعي إلى التميز والتفرد.

واليوم سأتوقف هنيهة عند نص شعري للشاعر السوداني الشاب محمد عبدالباري، وهذا النص ـ كما بدا لي ـ متفرد بلغته، باذخ وثري بدلالاته وصوره وإشاراته.

 مثل هذا النص الشعري البديع يستأهل عناء القراءة والتحليل، وليس له إلا قارئ مبدع يتمتع بذائقة فنية فريدة ، أما الشرح أو محاولة نقل لغته الشعرية إلى لغة نثرية، كما يفعل معظم شراح النصوص في المدارس والجامعات فهذه ثرثرة لا قيمة لها ، وانتقاص من قدر هذا النص.

سأكتفي هنا بالقول إن مثل هذا النص البديع يؤكد المقولة التراثية التي تبين أن ( أفخر الشعر ما غَمُضَ، فلم يُعْطِك غرضه إلا بعد مماطلة منه)، وهذا لا يتأتى إلا إذا انتظمت الكلمات في البيت أو السطر الشعري وتجاورت مع بعضها وفق الشعور والحُلُم والحدس والرؤيا لا وفق العرف اللغوي المتبع، لأن الاتكاء الكلي على هذا العرف سيجعل لغة النص لغة إخبارية ووصفية وتزيينية كلغة نشرات الأخبار والمقالات والخطب.

كما يؤكد هذا النص أن موسيقا الشعر ليست ترفا وزينة كما يتوهم البعض، وأن أوزان الخليل مع مرور هذا الزمن الطويل لا تزال صالحة لنقل رؤى وأحلام الشاعر المعاصر.

قال الشاعر السوداني محمد عبد الباري:

راهنتُ
قالَ لي الرهانُ: ستربحُ
فلمحتُ في الأنواءِ ما لا يُلمحُ
سفرٌ وجوديٌ،
و(موسى)
طاعنٌ
في البحرِ
و(الخضرُ) البعيدُ يلوّحُ
سفرٌ شفاهيٌ،
تقولُ نبوءةٌ
(للنفرّي): إذا كتبتَ ستشطحُ
سفرٌ ولا معنى،
فكيفَ تدفقتْ
هذي الشروحُ
وأنتِ ما لا يُشرحُ ؟!
ضاقت بكِ اللغةُ القديمةُ
مثلما
بالمسرحيةِ
قد يضيقُ المسرحُ
عيناكِ…
ما أرجوحتان ِ
على المدى
قالتْ لكل المتعبينَ: تأرجحوا ؟!
المطلقُ الممتدُ في حُزنيهما
من كلِ أعراسِ الفصاحةِ أفصحُ
تختارُني الأبوابُ كي أخلو بها
والبابُ بعد البابِ
باسمكِ يُفتحُ
لم اسأل الكُهانَ عنكِ
منحتُهم
ظلي
ورحتُ إلى القداسةِ أسبحُ
ودخلتُ للثمر الحرامِ
ألمُه
والسادنُ الأعمى ورائيَ ينبحُ
بايعتُ فيكِ فكيفَ لا يجري دمي ؟!
وسكرتُ منكِ فكيف لا أترنحُ ؟!
أنا آخرُ الشهداءِ
جئتُكِ قطرةً
من بعدها هذا الإناءُ سينضحُ
مطرُ القرابين استدارَ
وقد جرى
بدمِ الملائكةِ الصغارِ المذبحُ
صعدَ الحواريونَ
خلفَ مسيحِهم
ورنوا إليكِ من السماء ولوّحوا
وتفتحوا في ضوءِ آخر نجمةٍ
في العشقِ ما يكفي
لكي يتفتحوا
جُرحوا
فقلتُ: إليّ
قالوا : لا تخف.
لن يكبرَ العشاقُ حتى يُجرحوا !
سنزحزحُ الليلَ المعلقّ
ريثما
نغتالُه
والليلُ قد يتزحزحُ
سنمرُ بالتاريخِ
مرَ غمامةٍ
سالتْ على الراعي الذي لا يسرحُ
سنكونُ أولَ ما نكونُ
رصاصةً
بيضاءَ
تومضُ في الجهاتِ وتمرحُ
سنظلُ في (جبلِ الرماةِ)
فخلفنا
صوتُ النبيّ يُهزُنا : لا تبرحوا

مقالات ذات علاقة

“الناشرين العرب” يضاعف قيمة جائزة عبد العزيز المنصور للقصص القصيرة

المشرف العام

يا هيه.. يا هيه

المشرف العام

درر السماء

رمضان زيدان (مصر)

اترك تعليق