متابعات

ليالي المدينة تكشف عن شخصيات ثقافية من طرابلس

ندوة عن شخصيات ثقافية من طرابلس

وسط حضور نخبوي لافت استضاف فضاء محمود بي بالمدينة القديمة طرابلس ليلة الإثنين 18 مارس الجاري ندوة تناولت شخصيات ثقافية من طرابلس أدارها وقدمها “مصطفى حقية” ضمن فعاليات الموسم الرمضاني لليالي المدينة دورة (أيام الخير)، وذلك بمشاركة الباحِثين في مجال التاريخ “عبد المطلب أبو سالم“، و”بدر الدين الورفلي“.

المشاهد الثقافية المبكرة
حيث أشار الباحث “عبد المطلب أبو سالم” في مستهل توطئته إلى أن مدينة طرابلس لم تكن في عزلة عما يحدث في العالم قبل عدة قرون من اليوم فمنذ القرن الثامن عشر تبلورت ملامح الدولة الوطنية بصعود أحمد باشا القرمانلي إلى سدة الحكم بتاريخ 25 يوليو 1711م، وأضاف أبوسالم بالقول : إنه من المشاهد الثقافية المبكرة في ذاك العهد زيارة الحاج صالح آغا كمبعوث من أحمد باشا لبريطانيا والتقائه بالملك جورج الأول بهدف تجديد معاهدة الصداقة الموقعة عام 1716 بين بريطانيا وطرابلس، وقد حضر الحاج صالح هناك مسرحية بعنوان الإمبراطور الهندي أو الغزو الإسباني للمكسيك وتتحدث المسرحية عن عمليات التنكيل التي قام الإسبان في المكسيك، إذ ذكرت إحدى الصحف تعاطف الطرابلسيون مع المكسيك نتيجة جذور العداوة مع إسبانيا وأبرزت المسرحية المذكورة الاستعمار الذي كان ينمو بين أوروبا والقارات الجديدة.

إضاءات عن شخصيات طرابلسية
وبيّن أبوسالم بالقول : إن هذه المعطيات تعطينا انطباعا أن ثمة من كان يُحيط علما بما يحدث في العالم من قبل النُخب الطرابلسية بخلاف ما كان يُرّوج عن تفشي الجهل المدقع داخل المجتمع الليبي إنما كان هنالك معرفة بالقدر المتاح، وتكررت زيارات المسؤولين في الدولة آنذاك لعدة عواصم أوروبية واطلعوا على ما يحدث فيها من حركة ثقافية وفكرية وأردف أبوسالم : أن سمعة طرابلس وقتذاك كانت مدرجة في المسارح وفي الأعمال الثقافية بوجه عام، وعرّج أبوسالم على صالح آغا مؤكدا بأنها شخصية لم تنل نصيبها من البحث والاستقصاء برغم وجود صورة مرسومة له، كما تناول أبوسالم شخصية طرابلسية ثانية وصفها بأنها غزيرة الإنتاج في الفكر والمعرفة وهو علي بن عبد الصادق العبادي تنحدر أصوله من جنوب ليبيا لكن أسرته هاجرت إلى طرابلس واستقرت بها فتعلّم في كتاتيبها حتى أصبح له باع فكري ومعرفي وغزارة في منجزه العلمي كانت لديه زاوية في منطقة ساحل الأحامد شرق طرابلس بيد أنها دُمرت جراء السيول، وهو ممن عاصروا أحمد باشا القرمانلي الذي التمس منه إعادة ترميم هذه الزاوية ولفت أبو سالم إلى أن العبادي لديه كتاب نادر فعن الطب بعنوان (الأعلام) حيث عُرف عنه أنه اتجه نحو مرحلة الفقه والتصوف توجه الليبيين أوان ذاك الزمن، وتطرق كذلك أبوسالم إلى شخصية أخرى وهو الشاعر محمد ابن العربي درس في الأزهر وعاد لليبيا عام 1717م وحالما أتم ابن العربي دراسته الأزهرية وقفل عائدا إلى طرابلس لم يلقى القبول ليجد الأبواب موصدة في وجهه، وفور تناهي خبره لأحمد باشا عيّنه رأسا مُدرِّسا في جامع شائب العين وخصص له مسكنا فاستقرت حياته الاجتماعية والإبداعية، وعاصر الشاعر ابن العربي ابن غلبون الجد.

ملامح عن شخصية أحمد ضياء الدين المنتصر
بدوره أضاء الباحث الشاب “بدر الدين الورفلي” على شخصية طرابلسية أخرى كان يغمرها الظل وهو أحمد ضياء الدين المنتصر مستندا على عدد من المصادر التاريخية المثبتة التي تُشير إلى أنه كان أديبا يُنسب إليه تأليف مؤلف (في طرابلس تاريخ طرابلس الغرب)، وأوضح الورفلي بأن أحمد ضياء الدين ذائع الصيت في هذا الإطار لاسيما موقفه السياسي إزاء الاحتلال الإيطالي لكن لا نجد له نصا نستطيع من خلاله أن نتبيّن إنشاءه العربي وأسلوبه وثقافته، وتابع الورفلي : ضياء الدين يُعد سليل أسرة معروفة من الأعيان قد تكون بدأت شهرتها في منتصف القرن التاسع عشر وإن جاء ذكرها في التاريخ منذ عهد الدولة القرمانلية، وعُرفت هذه الأسرة بأنها هي التي احتضنت السيد محمد بن علي السنوسي حين مرّ بمصراتة بعد زيارته لطرابلس إبّان عهد يوسف باشا القرمانلي، وأنشأت صلة قوية معه استمرت في ذريته ليكون لها أثر فيما بعد وتحديدا في مرحلة تأسيس الدولة الليبية الحديثة.

مجلدات الوثائق الإيطالية
كما توقف الورفلي بالقول : إن النفوذ الذي كانت تتمتع به أسرة المنتصر حدده المؤرخون بعد أن قضت الحكومة العثمانية على عائلة الأدغم في مصراتة لتصبح لاحقا عائلة المنتصر من العائلات التي برزت بقوة بعد انحسار نفوذ عائلة الأدغم، ومن مشاهير هذه العائلة أيضا عمر المنتصر المشهور بأنه شغل منصب قائم مقام سرت وحول هذه الجزئية هنالك جدل بين أهل سرت عن تأسيس عمر لقضاء سرت من عدمه وتوطينه للقبائل في سرت، وأوضح الورفلي أن أحمد ضياء الدين المنتصر سبق وأن تبوأ عدد من المناصب الرفيعة في عدة مناطق ليبية منها العجيلات التي ولد فيها ابنه محمود المنتصر الذي أصبح أول رئيس وزراء لليبيا عام 1951م، فيما لفت الورفلي في سياق استطراده إلى أن مركز الجهاد طبع أحد مجلدات الوثائق الإيطالية وهي المجلدات الحمر المشهورة، حيث إن هذه المجلدات وفق الورفلي لم تحظى بما تستحقه من عناية واهتمام والقراءة باعتبارها مصدرا ثريا وكنزا للمعلومات والوثائق، وتابع الورفلي : في أحد هذه المجلدات خُصص مجلد لأحمد ضياء الدين المنتصر والأطيوش ويضم هذا المجلد رسائل ووثائق ولوائح مترجمة عن اللغة الإيطالية تقدم بها أحمد ضياء الدين المنتصر إلى الحكومة الإيطالية في شؤون شخصية وشؤون سياسية، وأشار الورفلي لوجود نص عربي يعتبر بالنسبة للدارسين فتح في معرفة شخصية أحمد ضياء الدين المنتصر للوقوف أكثر على ملامح أسلوبه وخلفيته الثقافية وهُويّته فضلا عن موقفه من الاستعمار الإيطالي وصولا حتى إلى مسألة التعاون مع المستعمر، وبيّن الورفلي أن نص أحمد ضياء الدين تشوبه الأخطاء لدرجة أن بعض نصوص الكتاب بلغت مبلغا فاحشا حسب توصيف الورفلي.

سؤال الهُويّة
بينما أضاف الورفلي أنه أثناء بحثه عن هذا النص عثر على نص آخر أطول منه وأكثر منه دلالة عن شخصية أحمد ضياء الدين، في المقابل أوضح الورفلي أنه تمكن من خلال هذين النصين تصويب النص الذي لم يكن متاحا أو ممكنا أن يُقرأ على نحو صائب ونسخ النص الثاني وهو نص طويل، وأكد الورفلي بأن هذين النصين لا تكمن أهميتهما فقط في معرفة الأسلوب الأدبي واللغة العربية لأحمد ضياء الدين المنتصر وموقفه السياسي وموقفه من بعض معاصريه بقدر ما تكمن أهميتهما وفق رؤية الورفلي في مسألة الهُويّة انطلاقا من سؤال كيف كان ينظر الليبيون إلى أنفسنا قبل زمن وما هي نظرة الآخر لليبيين، وتابع الورفلي بالقول : إننا أحيانا نتحدث عن الهوية بشكل مُرسل دون الرجوع للنصوص الأصلية التي كتبها المثقفون أو السياسيون أو من كانت لهم صلات بالمستعمر أو بالمقاومة لكي نتبيّن منها كيف كان ينظر الليبيون إلى أنفسهم كيف عبّروا هويتهم سواء كانت الوطنية أو القومية أو الدينية أو الهوية المناطقية والقبليّة، وأشار الورفلي بالتأكيد إلى أن عثوره على نص أحمد ضياء الدين المنتصر كان كاشفا كثيرا لهذه الجزئية الجوهرية.

مقالات ذات علاقة

القايدي نجم أمسية السعداوي الرابعة والثلاثون

المشرف العام

رواق المغاربة يختتم فعالياته

مهند سليمان

جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس يُشهر أحدث إصداراته

مهنّد سليمان

اترك تعليق