متابعات

نقاش حول الابادة الجماعية في ضوء ما حدث للعقيلة وغزة

ندوة علمية بعنوان (محاكمة الابادة الجماعية – غزة والعقيلة نموذجا)

أقيمت ببيت نويجي للثقافة بالمدينة القديمة طرابلس ندوة علمية خاصة تناولت محاكمة الابادة الجماعية – غزة والعقيلة نموذجا-، وذلك ظهر يوم الأحد 11 من شهر فبراير الجاري ضمن سلسلة الملتقى الرابع من الندوات العلمية حول الابادة الجماعية، وتضمنت الندوة التي أدارها وقدمها الدكتور الباحث “نجيب الحصادي” مشاركة نخبة من البُحّاث والأساتذة المختصين بورقات ومداخلات علمية حيث أوضح الدكتور “الكوني إعبودة” أنه حينما نتحدث عن فظائع العقيلة وغزة نقول بأن التاريخ يعيد نفسه وهكذا عنوان قد يثير بعض الإشكالية باعتبار أن غزة تشكل الحاضر والعقيلة تشكل ماضٍ انتهى، وبالتالي لا تتوفر مطابقة بين ما جرى في العقيلة وما يجري الأن في قطاع غزة، ويرى الدكتور إعبودة وفق وجهة نظر أن ثمة أوجه كثيرة للاتفاق وأوجه كثيرة للاختلاف، ومن بين أوجه الاتفاق بين العقيلة وغزة أن المجازر ارتكبت في منطقتين كلاهما يعد جزءا من الدولة والإقليم الذي كان خاضعا للاستعمار فالعقيلة في ليبيا كانت خاضعة للاستعمار الإيطالي، وغزة في فلسطين وهي تحت نير الاستعمار الصهيوني.

أوجه التشابه والاختلاف بين العقيلة وغزة
وتابع الدكتور إعبودة أن الوجه الآخر أنه في الحالتين كان هنالك اعتداء ضحيته الرجال والنساء والشيوخ والأطفال دون تمييز بين الأعمار كما أن الوجه الآخر من أوجه التماثل أن الأساليب التعسفية إلى حد ما كانت متطابقة كالأسلاك الشائكة هنا وهناك والترحيل والتجويع، وإن وانتهجت في العقيلة أساليب أخرى كالسخرة علاوة على أن سياسة المستعمر في الحالتين كانت واحدة بالإرهاب و الافناء والأهم القضاء على المقاومة، ولفت الدكتور إعبودة إلى أن مشروع الاستعمار في السابق لم يكن فعلا غير قانوني من زاوية القانون الدولي بخلاف الوضع المتغير الآن، وما تقوم به إسرائيل اليوم يأتي في إطار مختلف تماما فموقف القانون الدولي أصبح يُجرِّم الاستعمار والاحتلال، وأضاف الدكتور إعبودة بالقول : إن ما حدث في معتقل العقيلة صار اليوم جزءا من التاريخ بينما الحالة الغزيّة تختلف كون أنها لازالت تنزف والدماء فيها تروي الأرض، والوجه الآخر للاختلاف هو أن ما حدث في العقيلة يقع تحت المسؤولية الحصرية للدولة الإيطالية أما ما يحدث في غزة اليوم يحتلف كليا برغم أن دولة الكيان الصهيوني تتصدر الواجهة بيد أن هذه الدولة تعمل في إطار منظومة كلها تحمي ما تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين، كما أن الوجه الآخر للاختلاف أنه في حالة العقيلة إيطاليا أعربت عن أسفها نوعا ما لما جرى في حقبة استعمار الفاشست لليبيا، وصدر في الإعلان الرسمي عام 1998م ثم تعزز في اتفاقية أبرمت عام 2008م لكن دولة الكيان الصهيوني ترفض الاعتراف بوجود جرائم ابادة جماعية .

جريمة الابادة الجماعية في غزة
بدورها أكدت المحامية والكاتبة “عزة المقهور” عبر مداخلة بواسطة تطبيق (الزووم) أن المسائل الأخلاقية فيما يتصل بجرائم الابادة الجماعية وعلاقتها بالقانون الدولي تظل علاقة تنطوي على تماس فثمة مساحة مشتركة ما بين المنطقتين، وأشارت المحامية المقهور إلى أننا أمام خصم شرس يتمثل في الجانب الإسرائيلي يخوض حرب ابادة جماعية بلا هوادة وهو يمضي قدما في هذا السياق، وبيّنت المحامية المقهور بأن الطرف الإسرائيلي يتذرّع أن عملياته العسكرية جاءت نتيجة رد فعل ودفاع شرعي لما جرى في السابع من أكتوبر المنصرم أدى لوقوع ابادة جماعية، موضحة أن هجوم حركة حماس على بلدات غلاف قطاع غزة غير مُستفزة لذا لم يكن لهذا الهجوم داعٍ أو مبرر باعتبار أنه لم تكن هنالك حرب، وتابعت المحامية المقهور أن إسرائيل لديها القدرة للنظر في مثل هذه الأفعال والممارسات العسكرية فلدى الكيان الإسرائيلي قضاء جيد ومستقر ومفهوم، وتُصنف هذه الأضرار باعتبارها أضرار جانبية وغير متعمدة، ولفتت المحامية المقهور إلى أنه من الصعب إثبات أن هناك قصد خاص للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وهذه حُجّة اعتمدت عليها إسرائيل كثيرا، فيما تطرقت المحامية المقهور إلى ظروف إصدار قرار محكمة العدل الدولية بخصوص الدعوة المرفوعة من قبل دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل مشيرة إلى أن طلبات أو دعاوى التظلم المستعجلة في محكمة العدل الدولية تستغرق عادة وقتا طويلا يمتد لسنوات، وأضافت بالقول : إنه لمكسب كبير حين تصدر المحكمة قرارا بالتدابير الوقتية لمصالحة جنوب إفريقيا، وكانت جنوب إفريقيا ذكية في حيثيات دعوتها إذ لم تذكر فلسطين كدولة بل كمجموعة عرقية تتعرض للابادة، وهذا الحكم منح الفلسطينيين وجود شرعي وقانوني ومباشر، وترى المقهور أن جنوب إفريقيا كانت منذ البداية لديها رغبة برفع الدعوى ورتبت لذلك سلفا، وترى المحامية المقهور أنه في المقابل لم ينعكس قرار المحكمة على استراتيجية المفاوضات مع إسرائيل لاسيما ما يتعلق بالحرب، وأبدت المحامية المقهور استغرابها بالقول : إنه أثناء وجود معتقل العقيلة لم هنالك وسائل إعلام حديثة توثق للجرائم المروِّعة بينما اليوم يشهد العالم طفرة غيرمسبوقة في انتشار وسائط الإعلام بيد أننا نصطدم بجملة من جرائم القتل الشنيعة في غزة تُسخّر فيها وسائط الإعلام ما يضع تطور العالم وتحضره على المحك.

قراءة انطباعية في كتاب الابادة الجماعية
من جانبه قدم الدكتور “محمد زاهي المغيربي” أستاذ شرف جامعة بنغازي قراءة انطباعية عن كتاب الابادة الجماعية للمؤلف الدكتور “علي عبد اللطيف حميدة” حيث يتقصى مؤلف الكتاب التاريخ المخفي للابادة الجماعية في ليبيا التي ارتكبتها الدولة الاستعمارية الإيطالية التي وقعت في شرق ليبيا ما بين عامي 1929م، و19934م، وقد أسفرت الابادة الجماعية عن فقدان 83 ألف مواطن ليبي لحياتهم لينخفض عدد السكان آنذاك من 225ألف إلى 142 ألف مواطن، وأجبر نحو 110 ألف مواطن مدني على السير من منازلهم عبر الصحراء القاسية ثم تم احتجازهم في معتقلات مروِّعة، وواصل الدكتور زاهي استعراضه : كان هذا القتل الجماعي وتدمير شعب وثقافته نتيجة لمقاومته للاستعمار امتدت لعشرين عاما فشكل هذا القتل الجماعي بكل المقاييس ابادة جماعية مؤسسة على خطة استعمارية عنصرية لسحق المقاومة المحلية وتوطين المزارعين والفلاحين الإيطاليين الفقراء في المستعمرة، وأردف الدكتور زاهي بالقول : إن الدولة الإيطالية كبتت أخبار الابادة الجماعية وطمست الأدلة حولها، وكان من الصعب العثور على الملفات المتبقية المتعلقة بالمعتقلات حتى بعد سقوط الفاشية في إيطاليا عام 1943م، وأشار الدكتور زاهي إلى أن مؤلف الكتاب يُحدد غايته من تأليف الكتاب إنها قصة سجلها الليبيون في تاريخهم وسردياتهم الشفوية العربية بينما ظلت مخفية ولم تُتقصى مطلقا بطريقة منهجية أو وفق أسلوب يُمكننا من استيعاب نطاقها وفهمه، وأوضح الدكتور زاهي أن مؤلف الكتاب يسعى إلى طرح نقد منهجي ومعرفي للأيديولوجية العنصرية وتقديم قراءة جديدة للتاريخ والثقافة الأوروبية.

مفهوم الابادة الجماعية
فيما شارك كذلك الدكتور “علي عبد اللطيف حميدة” أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيو انجلاند بالولايات المتحدة الأمريكية بمداخلة بواسطة تطبيق (الزووم) واستهل الدكتور حميدة مداخلته بطرح مجموعة من التساؤلات والإضاءات إذ بيّن بالقول : إننا قد ورثنا نحن الليبيون والعرب الصمت والتركات، مضيفا بأن مفهوم الابادة الجماعية يعد مفهوما جديدا على العالم العربي والإسلامي، ودعا الدكتور حميدة لفهم النظريات السائدة في العالم اليوم لدراسة الابادة وكيفية التعليق والربط ما بين الحالة الفلسطينية والحالة الليبية، وأكد الدكتور حميدة أنه لابد من الاعتراف بالحق أن ثمة عقبات، وفي هذا السياق متصل تطرق الدكتور حميدة بحديثه لشيئين أولهما شيوع نظرة مضللة وغير صحيحة مؤادها أن الاستعمار انتهى بالاستقلال فالنظام التعليمي العربي كرّس لفكرة أن الاستقلال أنجز حق تقرير المصير وأن الاستعمار إنتهى وصار جزءا من الماضي، ويرى الدكتور حميدة أنه ينبغي إعادة النظر والتفكير في هذا الافتراض السائد والمهيمن، وأوضح الدكتور حميدة بأننا جميعا تقريبا ورثنا الخيار المعرفي والفكري والقانوني والفلسفي فالكثير من المفكرين العرب الكبار في مطالع القرن العشرين، والكثير من الليبيين والأكاديميين العرب طرحوا سؤالا وحاولوا الإجابة عليه وهو أن الابادة الأكثر معرفة في العالم هي المحرقة فالمجتمعات الغربية محقت أقلياتها وأبادتهم ولسان الحال العربي آنذاك يقول: ونحن ما لنا ولهم فنحن مشكلتنا مع الاستعمار وبانتهائه سنستقل منه، ويعتقد الدكتور حميدة بأن قضية الابادة الجماعية لم يتم تناوله كثيرا ما أدى إلى نوع من اللبس والخلط وعدم الوضوح، وأضاف الدكتور حميدة أنه من المهم الاعتراف أن ما ورثناه فكريا ومعرفيا وأكاديميا ينطوي على إشكالية، وتابع الدكتور حميدة أن العالم نتيجة تجاهل العالم للييبيين في قضية معتقلات البريقة والعقيلة وسلوق اختفى من الأدبيات المعرفية والتاريخية والفلسفية والقانونية في العالم، وأكد الدكتور حميدة أن مفهوم الابادة الجماعية يملك شروطه ومعاييره.

ذاكرة الابادة الجماعية
من جهته شارك الدكتور “صالح أبو الخير” بمداخلة بواسطة تطبيق (الزووم) بورقة علمية استهدفت ذاكرة الابادة الجماعية حيث تطرق أإلى تأصيل المفهوم بالقول : إن الذاكرة المجتمعية شكّلت متغيّراً فاعلاً في مختلف العلوم الاجتماعيّة، للذّاكرة أماكنها ووظائفها ‏ودلالاتها، المادّيّة منها كالأماكن الأثريّة والمعماريّة، والغير مادّيّة كالتّاريخ الشّفهي والسّير ‏الذّاتيّة والروايات الشّعبيّة والرّموز، فكلّ جماعة إنسانيّة لها أماكن تخزّن فيها ذكرياتها، وتكوّن ‏جزءً من تكوينها الاجتماعي، وتعبّر عن وجدانها، وتوفّر الذّاكرة للتّاريخ كشف هذه الأماكن، ‏وهنا تكمن أهمّيّة الذّاكرة بالنّسبة للتّاريخ، وأضاف الدكتور أبو الخير قائلا: إن المقصود بمفهوم ذاكرة الابادة الجماعية: هو كل ما بتعلق بالابادة الجماعية المادي منه والغير ‏مادي، الوثائق والارقام والصور، والذكريات المروية والاجناس الادبية التي احتفظت في ‏تفاصيلها بجوانب تتعلق بهذه الابادة، وفي حالة ليبيا: لم يكن للذاكرة أماكنها المادية غير ذلك ‏الذي أحتفظ الجاني به واخفاه، ما تراكم من هذه الذاكرة وطنياً كان جله في التاريخ الشفهي ‏والروايات الشعبية، ‏ونقصد بها المصادر الوطنية لهذه الذاكرة، وأوضح الدكتور أبو الخير بأنه كان يتم ولازال، بوعي وبطريقة ممنهجة، عبر تدمير الوثائق والشواهد التاريخية التي تثبت ‏الجريمة، تم تجاهل الابادة في برقة في تسويات الحرب العالمية الثانية، استرضاء لايطاليا، كم ‏يشير د. حميدة في كتابه، وبعد ذلك حجبت الحكومة الايطالية الوثائق، وعرقلت سبل الوصول ‏اليها، وفي المقابل قدم الدكتور أبو الخير تعريفا للمصطلح الانكار التاريخي ‏فهو حسب تعريف الدكتور أبو الخير مصطلح يشير الى جهد معرفي لإعادة تفسير الحقيقة التاريخية والتشكيك فيها، في محاولة ‏لاعادة النظر في الماضي، عبر إعادة تركيب التاريخ الماضوي.

مقالات ذات علاقة

مؤسسة الفرسان تنظم حلقة نقاش حول “تاريخ جالو القديم”

المشرف العام

نوافذ.. خيال حواء يستنطق الالوان

عبدالسلام الفقهي

الآثار الليبية في خطر

المشرف العام

اترك تعليق