طيوب النص

ما أجمل أحلام الفقراء   

حكايات وذكريات: سيرة قلم 2

سعيد العريبي (حكايات وذكريات – سيرة قلم)

من أحلام طفولتي الجميلة التي لا تزال عالقة بذاكرتي ذلك المذياع الصغير والجميل.. الذي اشتريته وأنا طالب بالصف الخامس الابتدائي بمدرسة المقرون الإبتدائية الإيطالية والوحيدة في ذلك الوقت.

كنت صغيرا.. وأحلامي أيضا كانت صغيرة جدا.. كان حلمي في ذلك الوقت أن أتحصل على مذياع صغير لا يتجاوز حجمه راحة اليد.. ولكنه كان باهض الثمن بالنسبة لي.. ثمنه (جنيه وربع) لا غير.

وهذا المبلغ الزهيد.. كان بالنسبة لي كبيرا جدا.. ولا سبيل للحصول عليه دفعة واحدة.. لذا فقد عقدت العزم على تجميعه سرا.. وبعملة ذلك الوقت: (بالقروش والملاليم) .. وانتظرت طويلا.. ومرت الأيام متثاقلة بطيئة.. ولم أستطع تجميع سوى (75) قرشا.

لم يعد يفصلني عن تحقيق ذلك الحلم الجميل سوى (50) قرشا لا غير.. لكنني لم أعد أحتمل الانتظار أكثر مما انتظرت.. فقررت مفاتحة والدي بالأمر.. وقلت له يرحمه الله بلا مقدمات ولا مبررات :

ــ  أريد خمسين قرشا.

ــ  فقال لي: (خمسين قرش بس).

ــ  قلت بسرور بالغ: نعم.. خمسين قرش بس.

فأخرجها من جيبه وقدمها لي.. فأخذتها بفرح غامر.. وطرت بها مسرورا مع بقية المبلغ الى السوق واشتريت المذياع وتحققت أمنيتي.

راديو (الصورة: الكاتب سعيد العريبي)

منذ الصغر كنت أحب العزلة.. وقد وجدت في ذلك المذياع أفضل أنيس.. وأقرب رفيق الى نفسي.. كنت كل ليلة وقبل أن أخلد للنوم أضعه بجانبي وأدير مؤشره على كل القنوات المتاحة بحثا عن نشرات الأخبار.. واستمتع بما تذيعه من أخبار وتحليلات.. مفضلا الاستماع الى إذاعتي القاهرة وصوت العرب على غيرهما من القنوات.. وبالذات قناة صوت العرب التي كانت كثيرا ما تذيع الأناشيد الحماسية العربية التي أحبها.. كأنشودة : راجعين بقوة السلاح :

(راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى..
راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة..
جيش العروبة يا بطل الله معك..
ما أعظمك ما أروعك ما أشجعك..
مأساة فلسطين تدفعك نحو الحدود…).

وكغيرها من الأناشيد العروبية الحماسية.. التي تلاشت تدريجيا.. ثم اختفت تماما بعد وفاة جمال عبد الناصر يرحمه الله.

أدركت فيما بعد تأثير ذلك المذياع الصغير عليَّ وعلى نفسيتي.. فقد شكل هواياتي وميولي.. وربما مستقبلي أيضا.. أعني.. واقعي الذي أعيشه اليوم.

مقالات ذات علاقة

حكم مؤبد

جود الفويرس

رسالة من شهيد

المشرف العام

محطات…وأحلام

نعمة الفيتوري

اترك تعليق